الحمد لله أديت فريضة الحج هذا العام. وقد حرصت على التجوال في كل أماكن المناسك والشعائر من أول الحرم المكي حينما أديت عمرة التمتع بمجرد الوصول، ثم الوقوف بعرفات والصعود لجبل الرحمة، والمرور بالمزدلفة، ومنها العودة للحرم المكي لطواف الإفاضة ثم الذهاب لمنى لرمي الجمرات ثم طواف الوداع في الحرم المكي.

وخلال هذه الفترة التي امتدت أسبوعاً كاملاً، رصدت العديد من المؤشرات الإيجابية لهذا الركن الخامس من أركان الإسلام، الذي يجعل الجميع سواسية ويظهر المسلمين في أبهى صورة ممكنة.

جوهر الدين الإسلامي هو التسامح والتكافل والتواضع والعفو والمغفرة والتضامن ومساعدة الغير.

حينما رأيت كل هذه الصفات متجسدة في حجاج بيت الله الحرام الذين اقترب عددهم من ٢.٥ مليون حاج، سألت نفسي، إذا كان ذلك هو جوهر الدين العظيم، فكيف سعت قلة من المتطرفين إلى تشويه جزء من صورة الإسلام والمسلمين في الكثير من بقاع العالم؟

غالبية المسلمين الذين رأيتهم خلال أداء شعائر الحج كانوا مثاليين في سلوكياتهم، لا فرق بين أبيض وأسود، بين عربي وعجمي، بين أفريقي وأوروبي، بين غني وفقير، الجميع سواسية خلال الصلاة والطواف ورمي الجمرات والوقوف على عرفات.

إذا كان هذا هو الواقع، فكيف سعت مجموعات قليلة تدعي أنها مسلمة إلى تشويه هذا الدين الحنيف؟

للأسف الشديد فإن ما فعلته بعض التنظيمات المتطرفة باختلاف أسمائها، قد أساء كثيراً إلى صورة الإسلام والمسلمين، وجعل البعض يعتقد زوراً وبهتاناً أن تلك هي الصورة الفعلية للإسلام والمسلمين.

هل نلوم غير المسلمين على هذا الاعتقاد أم نلوم المتطرفين الذين كانوا السبب الأساسي في هذا الانطباع الظالم؟

بالطبع اللوم كله يقع على عاتق المتطرفين، فغير المسلم خصوصاً المقيم في بلدان غير إسلامية يتعرف على الإسلام من خلال سلوكيات المسلمين الذين يعرفهم أو يتابع سلوكياتهم من خلال الأخبار.

وحينما احتلت التنظيمات المتطرفة مساحات واسعة من العراق وسوريا وليبيا بعد ٢٠١١، ارتكبت فظاعات لا يمكن تخيلها، مثل حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في سوريا أو اغتصاب الأزيديات في العراق، أو ذبح عشرات الأقباط المصريين في ليبيا، وبث كل هذه الصور على الهواء. ولا يمكن أن ننسى ما فعله المتطرفون في نيجيريا من خطف للفتيات الصغيرات أو حرق قرى كاملة ببشرها ومواشيها وزراعاتها.

ولا ننسى أيضاً ما فعلته الخلايا النائمة من المتطرفين من عمليات قتل ودهس وطعن في مدن أوروبية مختلفة.

كل هذه الفظاعات تسببت في تعريض صورة المسلمين للتشويه. الأجنبي عموماً والأوروبي خصوصاً، الذي شاهد هذه الفظاعات اعتبرها هي جوهر الإسلام. بالطبع هو لن يقوم بقراءة وفهم القرآن أو معرفة كيف يفكر غالبية المسلمين، بل حكم على الإسلام من خلال هذه الأفعال الوحشية، والنتيجة أن تنظيمات صغيرة جداً، لكنها لا إنسانية بالمرة تمكنت من الإساءة للإسلام والمسلمين.

أعود مرة أخرى إلى ما بدأت به، وأسأل: لماذا لا نحاول نحن عموم المسلمين في توصيل هذه الصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين من خلال حجاج بيت الله، وسلوكياتهم الصحيحة والسليمة والمعبرة فعلاً عن جوهر هذا الدين المتسامح؟

أتمنى أن تلعب غالبية وسائل الإعلام العربية سواء أكانت رسمية أم خاصة، تقليدية أم وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في نشر وتعميم الصورة الصحيحة للإسلام، سواء للشباب العربي والمسلم أم - وهذا هو الأهم - لغير المسلمين.

لو أن وسائل الإعلام و«السوشيال ميديا» ركزت على القصص الإنسانية العظيمة في الحج، خصوصاً تلك التي تظهر مثالية المسلمين وتوادهم وتراحمهم وتعاونهم وتكافلهم، فقد نتمكن من تغيير العديد من الصور السلبية عن المسلمين خصوصاً ما فعله المتطرفون.

رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

[email protected]