المشهد السياسي في الإقليم يدخل منعطفاً خطيراً، ربما يكون الخروج منه أصعب بكثير من لحظة صناعة نفس المشهد، الحسابات باتت مركبة وتزداد تعقيداً يوماً بعد الآخر، اللاعبون على المسرح الدولي يعيدون ترتيب الأوراق وفق مصالحهم وتعظيم مساحات النفوذ. ليس بعيداً أن تندلع حرب عالمية ثالثة، وليس قريباً - وفق المعطيات الحالية - أن نرى انفراجة وشيكة.
إن اللحظة الراهنة تحمل نذر الخطر غير المسبوق، فالسلاح يتدفق على الإقليم من كل جهات الأرض، ويبدو أن هناك من يريد للإقليم أن يكون ميدان رماية، ليتم إعادة إنتاجه من جديد، طبقاً لمصالح قد لا تكون بالضرورة مفيدة لسكان وشعوب الإقليم.
كل الشواهد تؤدي إلى أن هناك اصطداماً، قد يكون هو الأخطر على الإطلاق من كل الحروب السابقة. فلم تعد الرؤى والنظريات التقليدية التي حكمت مسار الإقليم لسنوات طويلة صالحة للبقاء، في ظل حرب هجينة تستخدم كل صنوف الأسلحة الحديثة والقديمة وأسلحة الذكاء الاصطناعي، وأدوات الحروب السيبرانية وأجيالها من الخامس إلى السادس، مع استخدام سلاح الإعلام بأدوات غير مسبوقة من قبل.
إن المتغيرات الحالية التي تفرض نفسها على أوضاع الإقليم، ستعيد تشكيله من جديد، شئنا أم أبينا، وعلينا أن نتعامل بنظرة ثاقبة لما سيأتي من تصورات في ظل أن الجميع يضع يده على الزناد، وأن هذا الجميع لم يعد يمتلك رشادة وحكمة التصرف اللتين تقودان إلى منع الانفجار الكبير الذي حتماً سيؤثر على كل دول العالم.
الإقليم كما هو معروف يمثل مخزن الطاقة العالمي، فضلاً عن أن جغرافيته الحاكمة بين القارات تؤثر على الاقتصاد العالمي وحرية التجارة والملاحة العالمية.
ومن ثم فإن أهمية الإقليم تمثل أحد أركان الاستقرار الدولي، وأي اندلاع حروب على أراضيه - بالطبع - سيجعل العالم مشتبكاً في حرب يمكن وصفها بالحرب العالمية الثالثة، والبعض يفكر في هذا جدياً، بل يستعد لها من خلال اندفاع الأساطيل والمدمرات إلى بحار الإقليم العربي.
ثمة سؤال يطرح نفسه وسط هذه الأجواء الكارثية: ما الذي أوصل الإقليم إلى لحظة الانفجار؟
الشاهد أن الإقليم العربي الذي تبلغ مساحته نحو 14 مليون كيلو متر مربع ويتكون من عدة دول، تصل إلى 22 دولة، ولديه منظمة جامعة تحظى باعتراف القانون الدولي، أقصد جامعة الدول العربية، لم يكن هذا الإقليم لديه رؤية استراتيجية واحدة، فقد تداخلت فيه عوامل محلية ودولية، اختطفت قراره في بعض الأحيان، وتشكلت فيه منظمات وجماعات وتنظيمات خارج نسق الدولة الوطنية.
ولقد أصابت هذه التنظيمات الدولة الوطنية بالهشاشة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعملت على تمهيد الطريق للتدخل من قوى أجنبية، ولم يكن لدى دول الإقليم تصور واحد للحرب أو السلام، وبين هذين المفهومين، وقعت حروب ومشاحنات، جعلت العالم الخارجي ينظر إلى الإقليم على أنه هش، وضعيف، ويمكن الانقضاض عليه.
وظل هذا المفهوم يطارد استقرار الإقليم في مراحل عدة من مساراته، وفي مقدمتها الاختلاف والخلاف حول معالجة القضية الفلسطينية، فثمة من يرى أن خيار السلام الاستراتيجي هو القادر على إحياء الدولة الفلسطينية والاعتراف بها دولياً، وهناك من يرى أن استغلال هذه القضية عبر الحروب الصغيرة، والاستنزاف الطويل هو الذي يحقق مخططات ومصالح لحاملي هذه الفكرة.
في الحقيقة إن هذا طريق لا يفضي إلى الدولة الفلسطينية المأمولة، وبالتالي فإن هذين التيارين، ظلا في طريقين متوازيين لا يلتقيان، مما جعل الإقليم يزداد ضعفاً، وتتداخل فيه معادلات لا تنتمي بالضرورة لمصالحه، بل تجعل منه مسرحاً جديداً للتجريب، وهو الأمر الذي بات يشكل الخطر الأكبر على مستقبل الاستقرار في المنطقة.
إن الإقليم يقف على أطراف أصابعه، وإن الأخطار التي تحاصره أصبحت مركبة، وتحتاج إلى استراتيجية سريعة وخاطفة لنزع فتيل القنبلة الموقوتة التي تكاد تنفجر بين لحظة وأخرى.
التعليقات