سميح صعب

طرح التوغل الأوكراني المفاجئ في منطقة كورسك الروسية الحدودية، أكثر من تساؤل بشأن الأهداف والخلفيات التي حفزت الرئيس فولوديمير زيلينسكي على اتخاذ مثل هذا القرار الذي ينطوي على أبعاد خطيرة.

الانطباع الأول، الذي تكون حول العملية العسكرية الأوكرانية، هو تخفيف الضغط الروسي على جبهة دونيتسك في شرق البلاد، وكذلك على جبهة خاركيف في الشمال الشرقي، بحيث تُجبر القوات الروسية على سحب جزء لا بأس به من قواتها على الجبهتين والدفع بها للدفاع عن كورسك.

هناك تفسير آخر، يذهب في اتجاه اعتزام كييف احتلال أجزاء واسعة من منطقة كورسك بما فيها محطتها النووية، بما يشكل ورقة قوية في يد أوكرانيا في حال الذهاب إلى طاولة المفاوضات بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية واحتمال عودة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو سبق له أن تعهد وضع حد للحرب قبل تسلمه منصبه رسمياً.

وليس بعيداً عن عملية سبر أغوار الهجوم الأوكراني، هو توجيه ضربة عسكرية ومعنوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإظهاره بمظهر العاجز عن الدفاع عن حدود روسيا، على رغم مضي 30 شهراً على الهجوم الذي شنه على أوكرانيا.

لا يفوت المراقبين الإشارة أيضاً، إلى أن أوكرانيا التي تعاني نقصاً في العديد والذخائر، تبحث عن انتصار ولو محدود ضد القوات الروسية، أملاً في رفع معنويات جيشها وإظهار قدرته على هزيمة الجيش الروسي. وهذه رسالة إلى الداخل الأوكراني الذي بدأ يشعر بالتعب ويرى أن الحرب طالت أكثر من اللازم. وتؤيد وجهة النظر هذه التقارير الغربية التي تتحدث عن تزايد كبير في حالات الفرار من التجنيد. كما أنها رسالة إلى الغرب، مفادها أن الجيش الأوكراني ينقصه العتاد فقط، كي يكسر إرادة الجيش الروسي.

الأسباب الآنفة الذكر، لا تبدد الكثير من بواعث القلق التي أفرزها التوغل الأوكراني. ومنها أن العملية العسكرية قد تعرض القوات الأوكرانية لمزيد من الانهاك، نظراً إلى صعوبة ضمان إيصال الامدادات اللوجستية للقوات المتوغلة، إلى أكثر من 40 كيلومتراً داخل الأراضي الروسية.

كما أن الجيش الروسي الذي أخذ على حين غرة، لم يسارع إلى سحب قطعات واسعة من قواته المنتشرة في منطقتي دونيتسك وخاركيف، وعليه فإن الضغط الروسي مستمر على الجبهتين المذكورتين.

ويضاف إلى ذلك، أن التوغل الأوكراني يعطي صدقية لما يقوله بوتين، عن أن أوكرانيا الموالية للغرب تشكل تهديداً للأراضي الروسية،

ناهيك بأن الولايات المتحدة، التي أكدت أنها لم تكن تعلم بالهجوم الأوكراني، لا ترى مصلحة لكييف في انتهاك الأراضي الروسية، بعدما قامت سردية الدعم الغربي السخي لها، على أن روسيا هي الدولة التي اعتدت على أوكرانيا من دون استفزاز.

ومع ذلك، لا يزال من المبكر المسارعة إلى معرفة الكيفية التي سترسو عليها نتائج الهجوم وكم سيدوم؟ وإلى أي نقطة قد يصل؟ وهل ستتمكن روسيا من صده؟ أم أن القوات الأوكرانية قادرة على الاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها أو التقدم نحو مدينة كورسك نفسها؟

في الحالة الأخيرة، تكون الحرب أمام معطى خطير للغاية من شأنه تغيير قواعد اللعبة، ويضع بوتين أمام خيارين مرين: إما تصعيد الحرب بشكل دراماتيكي، أو إبداء المرونة والقبول بالتفاوض على تسوية سياسية.

ويبقى الخيار الأول الأكثر ترجيحاً، الأمر الذي يعني مرحلة تصعيد جديدة في الحرب التي يعجز أيّ من الطرفين عن حسمها. ما مدى هذا التصعيد وفي أي اتجاه يمكن أن يذهب؟ تلك مسألة في غاية الخطورة.

وفي نهاية المطاف، هل يمكن أن يكون هجوم كورسك بمثابة جهد يائس من زيلينسكي لقلب المعادلات الميدانية قبل أن يكون مرغماً على القبول بتسوية ما يلح عليها معظم المجتمع الدولي؟