علي حمادة

ما من شك في أن الضربة المأسوية التي أصابت قرية مجدل شمس في الجولان السوري المحتل، ستكون بمثابة محطة فاصلة بين مرحلة وأخرى على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية. فقواعد الاشتباك التي ظلت سارية بين "حزب الله" وإسرائيل لحوالي عشرة أشهر على التوالي ستتغير بعدها. وبالتأكيد ستتغير بعد الرد الإسرائيلي الذي تحدد إثر اتهام "حزب الله" بأنه الطرف الذي أطلق القذيفة الصاروخية على القرية وتسبب بمقتل 14 من الفتية كانوا يلعبون في ملعب كرة القدم المركزي. وبصرف النظر عن صدقية الطرف الإسرائيلي في تحميله "حزب الله" مسؤولية اطلاق الصاروخ القاتل، فإن نفي الأخير لا يستند الى صدقية كافية امام تهمة بهذه الخطورة، لا سيما أن الاستهداف طال قرية عربية درزية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت عينه مؤيدة لحراك السويداء المتواصل منذ 17 آب (أغسطس) 2023. وكما أنه من الصعب تصديق الرواية الإسرائيلية، فإنه من الصعب تقبل روايات "حزب الله" من دون أن تكون مسندة، وخصوصاً أن الحزب المذكور لم يسارع منذ اللحظة الأولى للدعوة الى تحقيق دولي شفاف ومحايد لإثبات براءته من التهمة. وبالطبع مفهوم أن إسرائيل من ناحيتها لا تحبذ التحقيقات الدولية في جرائم حرب، نظراً لسجلها الحافل. ومن هنا بين مسارعة إسرائيل الى رمي التهمة على "حزب الله" وتهرب الحزب من تحقيق دولي شفاف، ستبقى الحقيقة معلقة بين طرفين غير موثوقين لألف سبب وسبب.

لكن ما يهمنا الآن هو المسؤولية بمعناها الأوسع. معنى ذلك البحث عن الجهة المسؤولة التي ورطت لبنان واللبنانيين في حرب كان من الممكن جداً أن يبقوا خارجها، فلا تصل الأمور إلى حد أن تحصل حادثة مأسوية كالتي أصابت أهلنا في مجدل شمس، وأن تحوم الشكوك حول جهة تنطلق من أراضي لبنان لتشارك في جميع حروب المنطقة أو لتؤججها، وأن يتعرض لبنان الى خطر تلقي ضربة عسكرية شديدة تفرضها حسابات إسرائيل وإيران بواسطة "حزب الله" على اللبنانيين. فتورط "حزب الله" في الحرب وتوريطه كل لبنان فيها من دون موافقة الشعب اللبناني ومؤسساته الدستورية، هو أساس المشكلة. والحرب المتوسطة الوتيرة الدائرة منذ أكثر من عشرة أشهر كان لا بد أن يصل يوم وتشهد حدثاً دراماتيكياً كالذي حصل يوم السبت الفائت في مجدل شمس.

لطالما ناشد حكماء البلد "حزب الله" بأن يتجنب التورط والتوريط. ولطالما قيل لأركان "حزب الله" أن لبنان لا يمكن أن يلعب دور الموقع المتقدم في حروب إيران الإقليمية، وأن يتحول بالإكراه إلى ساحة من ساحات مشروع ايران الإقليمي، لا ضد إسرائيل ولا ضد الدول العربية التي وبسبب سلوك "حزب الله" انهارت علاقات لبنان ببيئته العربية الحاضنة. إن كان ما حصل خطأ ارتكبه "حزب الله" فالتورط المديد في الحرب فتح الباب أمام ارتكاب خطأ في التصرف أو في الحسابات. وإن كان "حزب الله" بريئاً من دماء أطفال وفتيان مجدل شمس، فإن الحرب التي تورط فيها فتحت باب المجازفة بأن يتم نصب فخ دماء عربية ليقع فيه، فيما هو يحاول أن يقدم نفسه نصيراً لأبناء غزة الذين تسفك دماؤهم على يد الإسرائيليين.

وبالنتيجة نقول إن هذه المأساة التي تورط فيها لبنان رغماً عنه يجب أن تكون مناسبة لكي يراجع "حزب الله" حساباته بعناية، ويوقف هذا الاندفاع نحو المنزلق الخطير الذي سيأتي كارثة على لبنان. وللمستوى اللبناني الرسمي نقول إن أهم خدمة تقدم للبنان تكون بأن تعبّروا بصوت عال عما تفكرون به بصوت خافت.