غسان زقطان

بحذر وكثير من الشكوك، نظر الفلسطينيون إلى البيان الختامي الذي صدر عن مؤتمر المصالحة الذي عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الصينية، وهذا يتضمن ما يشبه التجاهل الذي تعامل فيه الشارع الفلسطيني مع الحدث. يمكن هنا، من دون تردد، استخدام مفردة مثل "الإهمال"،

بل يمكن القول إن اللقطة البعيدة التي ترافقت مع البيان للمشاركين في المؤتمر حظيت بالتعليقات أكثر من البيان نفسه.

الفضول الذي حملته هذه التعليقات عن صعوبة تبين الواقفين في الصورة، ترك ظلالاً قوية من عدم الثقة وشيئاً من السخرية.

صف أفقي متباعد من أشخاص يتبددون على مسرح هائل الاتساع، من دون تشابك أيد، كما جرت العادة، ومن دون ابتسامات عريضة.

الأهمية الوحيدة التي يمكن إدراجها هنا، هي أهمية الجهة الداعية، جمهورية الصين، والثقة المتنامية بقوة حضورها في المنطقة والعالم.

خلال أقل من 72 ساعة اختفى "البيان الختامي" تحت أحداث تراكمت واستولت على اهتمام الشارع وشاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي؛ المجزرة الجديدة في خان يونس، اجتياح مدينة طولكرم ومخيمها، اغتيال المقاومين في طولكرم في الشمال وسعير في الجنوب، دعوة بن غفير إلى مواصلة اقتحام الأقصى وإقامة صلوات يهودية فيه، إعلان وزير الجيش الإسرائيلي غالانت إطلاق حملة تصفيات شاملة لكتائب المقاومين في الضفة، خطاب نتنياهو في الكونغرس الأميركي وعمليات العد التي تبعته، من نوع كم عدد المقاطعين من الديموقراطيين وكم مرة صفق المشرعون في الكونغرس، وكم مرة وقفوا لشخص ينتظر مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، ومطلوب في ثلاث قضايا فساد في إسرائيل التي يتحدث باسمها.

وبدت صورة رشيدة طليب وهي تحمل لافتة صغيرة في وجه نتنياهو كتب عليها "مجرم" في محيط من "المصفقين"، أكثر أهمية بكثير من صورة الإخوة الـ14.

عملياً تم استهلاك طاقة الاهتمام بشأن مؤتمر المصالحة والقضايا العامة المكررة التي تضمنها البيان؛ الوحدة، المصالحة، إنهاء الانقسام، عبر مسيرة طويلة ومحطات متعددة، بدأت عشية انقلاب "حماس" عام 2007، في لقاء مكة، وتجولت في عواصم كثيرة؛ القاهرة، الدوحة، الجزائر، إسطنبول، موسكو وبكين، تخللها اجتماعان للأمناء العامين للفصائل في بيروت/ 2020 بحضور 14 فصيلاً، ومدينة العلمين في مصر/2023 تغيبت عنه ثلاثة فصائل احتجاجاً على حملة اعتقالات شنتها أجهزة الأمن الفلسطينية بالتزامن مع الاجتماع.

في بكين لم يتغيب أحد، عاد الرقم 14 إلى الظهور مجدداً، وهو ما أبرزته وسائل الإعلام في إشارة مبكرة إلى التلبية الواسعة للفصائل والقوى السياسية الفلسطينية للمبادرة الصينية، ولعل المقصود من إبراز ذلك، أو أحد أهدافه، بث نوع من الثقة لدى الجمهور في أن الجميع تقريباً هنا.

الحقيقة أن الرقم نفسه هو من أسباب الشكوك، إذ ببساطة، معظم المشاركين الـ14 لا يتمتعون بثقة الجمهور، وفي أفضل أحوالهم لا يمتلكون امتدادات شعبية خارج أعضاء وفودهم، أو حضوراً يمكن اعتباره كافياً لتمثيل شرائح من الشعب، ويفتقرون إلى الحد الأدنى من الثقة والتأثير في ما يفترض أنها حواضن شعبية.

يمكن أن نذهب هنا إلى مسافة أبعد حيث تشكل هذه الفصائل وأشخاصها أحد مظاهر الفساد السياسي الذي تعانيه السلطة الفلسطينية بجناحيها.

فساد يبدأ من مصادرة الرأي العام والاستيلاء على حقوق التمثيل الشعبي، والمسؤولية في تفكيك منظمة التحرير وهيئاتها التشريعية، بما يعنيه هذا من فساد مالي ووظيفي.

التاريخ فقط هو الذي أحضر هؤلاء الأشخاص، تحت مسميات الفصائل والقوى، إلى العاصمة البعيدة، التاريخ والذكريات وحسابات سياسية صغيرة للفصيلين الكبيرين، أيد للتصويت وتبعية تكثر المداخلات في كواليس الاجتماع.

كان يمكن، بكثير من التساهل، الاكتفاء بنصف هذا العدد أو أقل، والحصول على نتائج أفضل ومنح اللقاء جدية يفتقر إليها.

الرقم "14" كان دخولاً مرتبكاً من باب جانبي، وأحد أسباب انحسار الثقة والاهتمام، وهي، الثقة، بضاعة نادرة في جولات المصالحة وإعلانات إنهاء الانقسام المتلاحقة.

يعرف الشارع الفلسطيني ذلك، ويعرف أن زج مثل هذه الأسماء في جولات المصالحة وإنهاء الانقسام ومحاربة الفساد بتنوعاته وإحياء منظمة التحرير وهيئاتها التشريعية والتنفيذية، لا يخدم فكرة الوحدة نفسها، وأنهم جزء أساسي من المشكلة وليسوا من مكونات الحل المنشود.