ماجد كيالي

لا توجد مفاوضات فلسطينية - إسرائيلية، لا في القاهرة ولا الدوحة، ولا في أي مكان آخر. هذه هي الحقيقة، وما يجري مجرد مباحثات بين إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، إلى جانب كل من مصر وقطر، مع الأخذ في الاعتبار أن الطرفين العربيين لا يشتغلان كوسيط فحسب، إذ إن مصر ترى أن لها دوراً في وقف الحرب، وتضمين وجهة نظرها في شأن الترتيبات المقبلة في قطاع غزة، بالنظر إلى العلاقات التاريخية التي تربطهما، وبحكم تأثرها بما يجري في قطاع غزة، لا سيما أمنياً وسياسياً، ولأن مصر هي البوابة الوحيدة لغزة إلى العالم.

من جهة قطر، فهي دولة صغيرة تحاول تعزيز مكانتها بدور إقليمي كوسيط في المنازعات، والتوسط بين الولايات المتحدة وبعض الأطراف بحكم قوتها المالية، لكنها لا تقوم بدور الوسيط، أو بدور ساعي بريد، فحسب، إذ تمارس ضغطاً على الأطراف المعنية، وهي هنا "حماس"، لدفعها إلى اتخاذ مواقف مرنة في شأن ما يحدث في غزة، وفي شأن مستقبلها، لا تبتعد، أو لا تخرج، كثيراً عمّا تحاول الولايات المتحدة فرضه؛ لا سيما أن الأخيرة تعتبر "حماس" حركة إرهابية، لا يجوز لها التفاوض معها.

من ناحية ثانية، إن القول بعدم وجود مفاوضات فلسطينية – إسرائيلية يكمن في غياب البعد الفلسطيني للمفاوضات، ما يشمل إبعاد القيادة الفلسطينية الرسمية، أي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح"، إضافة إلى الطرف المعني وهو حركة "حماس"، عن تلك المباحثات. بيد أن الأهم من ذلك أن تلك المباحثات تضع مصلحة إسرائيل على رأس جدول الأعمال، أكثر من مصلحة الفلسطينيين، وأكثر من المصلحة بوقف الحرب الوحشية. وهذه المصلحة تتلخّص الآن في إيجاد صفقة موقتة، تتضمن هدنة موقتة، بثمن، أو في مقابل، تحرير أكبر عدد من الأسرى، أو الرهائن، الإسرائيليين في قطاع غزة، وهذا ما يحاوله نتنياهو، أكثر من أي شيء آخر.

أيضاً، ما يفترض إدراكه هو أن نتنياهو لا يضع مسألة تحرير الرهائن في أعلى درجة الأولويات الإسرائيلية، لأن الأولوية عنده هي لاستمرار حرب الإبادة الجارية منذ نحو عشرة أشهر ضدّ فلسطينيي غزة، والتي تتوخّى ترويع كل الفلسطينيين وإخضاعهم، من النهر إلى البحر، للإملاءات الإسرائيلية، وجعل غزة مكاناً غير صالح للعيش، مع محاولة التخفّف من أكبر كتلة سكانية فيه، ما أمكن، بكل الوسائل، المباشرة وغير المباشرة، الآنية والمستقبلية.

وبشكل أكثر تحديداً، نتنياهو يوظّف قضية الأسرى الإسرائيليين لتبرير استمرار حربه في غزة، بدعوى إضعاف "حماس" وإخراجها من المشهد السياسي. أما سبب وضعها في الأجندة السياسية لحكومته فأتى لتخفيف الضغط الداخلي، ولتلبية الضغوط من الدول الغربية، لا سيما الولايات المتحدة، التي باتت تجد نفسها في موقف حرج بسبب دعمها المطلق للحرب التي تشنّها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، علماً إنها تتساوق مع إسرائيل بخصوص فرض هدنة موقتة فحسب، مقابل صفقة أسرى، مع دعم إسرائيل بخصوص استئناف حربها في غزة.

هكذا، فعلى الصعيد الإسرائيلي الداخلي، وعلى الرغم من حساسية مسألة الأسرى عند "حماس" في غزة، فإن تلك القضية لا تؤثر في حكومة نتنياهو، إذ إن الأغلبية الإسرائيلية، وحتى المعارضة، هي مع استمرار الحرب ضدّ غزة، وهذا يشمل زعيم المعارضة يائير لابيد، وأيضاً بيني غانتس وآيزنكوت (اللذين استقالا من الكابينت الأمني مؤخّراً)، فهما صرّحا أن الأولوية لصفقة الأسرى، وأنهما في المقابل مع الاستمرار في الحرب في غزة سنوات عدة.

يُستنتج من ذلك أن أي مراهنة على تصدّع إسرائيلي، على خلفية حرب غزة، هي مجرد توهمات أو رغبات ذاتية ليست في محلها، لا بسبب الأسرى ولا بسبب طول مدة الحرب، كما تبين، ولا بسبب الخسائر الاقتصادية التي يمكن أن تعوضها إسرائيل من قوة اقتصادها، ومن الدعم المالي الذي تحظى عليه من حلفائها في الغرب. فالولايات المتحدة ذاتها قدّمت لها 17 مليار دولار لهذا الغرض. وإسرائيل تخوض تلك الحرب كفرصة سانحة لها لإضعاف الفلسطينيين وفرض هيمنتها عليهم، نهائياً، وأيضاً لاعتقادها أنها تخوض حرباً وجودية، أي دفاعاً عن وجودها، الذي ترى أنه تهدّد في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

إضافة إلى كل ما تقدّم، فإن بنيامين نتنياهو لا يخوض معركة شخصية فحسب في سعيه الدؤوب إلى شطب البعد الفلسطيني، وفي حربه على غزة، كما يعتقد بعضهم، فسيرته الشخصية منذ صعد إلى رئاسة حكومة إسرائيل، في الحقب الثلاث (1996-1999، 2009-2021، 2022 حتى الآن) تمحورت حول إسقاط اتفاق أوسلو، جملة وتفصيلاً، ووأد أي محاولة لإقامة كيان فلسطيني، أي إنه يشتغل وفق رؤية أيديولوجية وليس لمصالح شخصية فحسب، وهو ما جسّده في تعزيز التحالف بين اليمين الإسرائيلي، القومي والديني، وهذا هو مغزى تحالفه مع سموتريتش وبن غفير، وإنشاء ميليشيا مستوطنين، وتعزيز الاستيطان في الضفة.

في الخلاصة، أية عملية تفاوضية هي بمثابة نتاج لموازين القوى على الأرض، وللمعطيات الخارجية المؤاتية لهذا الطرف أو ذاك، وإذا كانت إسرائيل تمتلك كل ذلك، والقدرة على الاستمرار في الحرب، ففي المقابل إن حركة "حماس" لا تمتلك أوراق قوة، فمقاومة المقاتلين وبطولاتهم لا تفعل فعلها في حماية فلسطينيي غزة، ولا في صدّ التوغلات الوحشية للجيش الإسرائيلي، أما الـ 120 إسرائيلياً الأسرى، فهؤلاء لا يشكّل وجودهم لدى "حماس" ورقة ضغط، كما تبين، وكما تعتقد قيادة "حماس"، إذ إن إسرائيل حولت قطاع غزة، التي يقطنها أكثر من مليوني فلسطيني، إلى رهينة لها كحقل رماية لمدفعيتها وصواريخها وقنابلها المدمّرة.

إذاً، لا توجد عملية مفاوضات، فتلك مجرد عملية للحجب والتلاعب والتورية، من خلالها تواصل إسرائيل حرب الإبادة الوحشية التي تشنّها على فلسطينيي غزة، مع كل الأهوال التي يعايشونها، في منطقة باتت تفتقد إلى مقومات العيش، علماً أن إسرائيل لم تفاوض الفلسطينيين ولا مرّة، وحتى عملية أوسلو (1993) لم ينجم عنها أي شيء على صعيد الحقوق الفلسطينية، حتى في الأراضي المحتلة (1967) لأنها استوعبت الحركة الوطنية الفلسطينية، وحولتها إلى سلطة على شعبها، في جزء من الأرض مع جزء من الشعب وجزء من الحقوق.