عبدالرحمن الحبيب

عندما تصلك رسالة وتعجبك، قد ترد عليها برموز أصبحت عالمية مثل رسم وردة حمراء أو إصبعين متشابكين أو وجه مبتسم مع قلبين أحمرين داخل العينين.. حين يستفهم منك مرسل، قد تجيبه بالرسمة المشهورة للإبهام كتأييد وموافقة.. ربما تبعث إلى عزيز مسافر برمز عالمي مثل رسمة كف للتحية مع زهور أو صورة عاطفية مؤثرة.. هذا ما يطلق عليه ميم الإنترنت (Internet meme)‏ وهي كلمة مشتقة من كلمة «ميميمي» اليونانية التي تعني الشيء المقلد.

ميم أو ميمز أو ميمات الإنترنت هو مصطلح يستخدم لوصف أحد الأشكال التالية: رسم، رمز، أيقونة، شعار، صورة، مقطع مصور، عبارة، حركة؛ تنتشر بسرعة من شخص لآخر عبر الفضاء الإلكتروني خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تشكل لغة رمزية لتواصل عالمي أو إقليمي أو محلي، وقد تمتد شعبيتها إلى جميع أنحاء العالم في غضون بضعة أيام ثم تذوي سريعاً أو تظل لسنوات ثم تذبل أو تستمر.. ومن هنا يشبه بعض المعلقين انتقال الميمات بانتشار العدوى الفيروسية.

من أوائل الميمات التي اشتهرت قبل عقدين كتابة: «LOL!» وانتشرت في كل أصقاع العالم رداً على نكتة أو شيء مدهش ويبدو أنها حالياً خافتة وفي طريقها للاندثار.. أما أول ميم موثّق رقمياً في الأيام الأولى لشبكة الإنترنت فسجل عام 1996، وهو ميم «الطفل الراقص» والذي كان يذيّل الرسائل الإلكترونية، ونال رواجاً كبيراً بين مستخدمي البريد الإلكتروني حول العالم، عندما كان الميم أساساً ينتشر عبر البريد الإلكتروني.

الميم تعبر عن حالة أو أي أمر يختصر ما يمكن أن تقوله اللغة المكتوبة بنص طويل أو ما لا يمكن للغة أي تعبر عنه بشكل واضح، فالميم تكثيف مضغوط للكلام تقفز على سردية اللغة المكتوبة التي قد تحتاج إلى وقت أو قد لا تُعبِّر بما يكفي، فتكون الميم تبسيطاً للأفكار المعقدة والمشاعر المتداخلة لتعطي انطباعاً سريع التأثير في نفوس المتلقين.

فما هو التأثير الذي تخلفه هذه الميمات؟ أنماط الميم تحوّلت في أحيان كثيرة إلى طريقة في التفكير وممارسة ثقافية وأسلوب في التعامل الاجتماعي، وتضمنت رموزها الإعلانات التجارية، وصارت متداولة في الأحاديث والنقاشات الاجتماعية بل وحتى المراسلات الرسمية عبر الإنترنت، حتى أصبح عدم معرفة معانيها نوعاً من الجهل والأمية المعاصرة.. أصبحت الميمات واحدة من الطرق المفضلة لمستخدمي الإنترنت للتفاعل فيما بينهم.. وأصبحت تمتلك قاموس معانٍ خاص، حتى صار تُنشر لها قواميس على الإنترنت لتوضيح معاني تلك الميمات وتتبع تاريخ شعبيتها وشرح أسباب نجاحها، مثل موقع «Know your meme» (اعرف ميمتك).

يمكن أن يبقى ميم الإنترنت على حاله أو قد يتطور مع مرور الوقت عن طريق الصدفة أو عن طريق التعليق أو التقليد أو المحاكاة الساخرة أو من خلال دمج حسابات جديدة أو إعادة دمج للصور أو تعديلها.. وفي خضم المنافسة بين الأفراد في صنع أو اختراع الميم يتم استخدام الفكاهة والسخرية والعبثية والمحتوى غير المنطقي للفت الانتباه وإظهار التميز، لكن أكدت دراسة (Coscia, 2013 Michele) أن إنترنت الميمات ليس فقط المنافسة على اهتمام المشاهد مما يؤدي عادة إلى حياة أقصر للميم، ولكن أيضاً، من خلال إبداع المستخدم، يمكن للميمات التعاون بعضها مع بعض، وتحقيق زمن أطول من البقاء. تحتاج الميمات أولاً إلى الاحتفاظ بها، فكلما طالت فترة بقاء الميم في مضيفيه، زادت فرص انتشاره (Francis Heylighen, 2013).

إذا كان كثير من الباحثين يرون أن الميمات هي أساساً للفكاهة والطرافة، فإن الكاتب برادلي ويغنز طرح في كتابه أن الميمز ليست مجرد صور فكاهية بل هي أدوات تواصل تحمل دلالات أيديولوجية معقدة، وتعتمد على السياقات السيميائية (العلامات) والتناصية لنقل رسائلها.. وتُعدّ الميمز، برأيه، «حججاً بصرية» داخل الخطاب الرقمي، تتضمن ممارسات أيديولوجية وتساهم في إعادة إنتاج الخطاب.

يبدو أحياناً أنه لا فرق بين الميم المرسوم والكاريكاتير، يقول رسام الكاريكاتير والفنان المصري محمد قنديل في حديثٍ إلى بي بي سي إن الكاريكاتير والميم يستخدمان أدوات أساسية متقاربة جداً في الأغلب (التكوين، والشخصيات، والتعليق المكتوب، والرمزية البصرية والتشبيهات)، إلا أن طبيعة الميمز كعمل شعبوي مجهول المصدر تتيح له لغة إبداعية مختلفة عن الكاريكاتير. ويضيف أن رسم الكاريكاتير مرتبط بأسلوب الفنان الذي يطوره على مدار سنوات من خلال تدريب كلاسيكي على الرسم وتقنياته، وكذلك بقضيته أو اهتمامه الاجتماعي المرتبط بالعمل الصحافي وأجنداته. بينما يمكن لأي شخص لديه حس كوميدي وبعض المهارات البسيطة في تحرير الصور رقمياً إنتاج ميم يصل مستواه إلى ما هو موجود في السوق، حيث إن هناك دخولاً أسرع بكثير لهذا الوسيط وسهولة في المساهمة فيه.

الزبدة، إن انخراط البشر في المشاركة عبر سهولة عمل الميم هو طبيعة اجتماعية ورغبة في أن يصمم الفرد شكلاً خاصاً به يعبر عن هويته الذاتية داخل المجتمع؛ إلا أن سعة انتشارها وسرعة رواجها يؤثر في طريقة التفكير والتفاعل الاجتماعي وفي تشكيل رموز لغوية جديدة تقفز على اللغة المكتوبة...