عبده الأسمري

ما بين «عواطف» الإنسان و «عواصف» البيان بنى صروح «الكتابة» على أركان «الحياد» بالقول اللطيف والفعل الجاد والمعنى الحصيف، ليحول «القلم» إلى «سلاح» فكري كشف «حيل» الظلاميين وأجهض «خطط» المتشددين.

دافع عن مساحة «الوسطية» بوطنية «المحايد» ومهنية «الصادق»، ورفع القلم كسيف حق بتر «قاطع» التطرف وقطع «دابر» التشدد بسطوة «الكلمة» وحظوة «العبارة»

جاء من أقاصي «الطمأنينة» يسعى حاملاً على عاتقه مشاعر «الذود» وأشعار «الود» ليبقى «ثاوياً» في أهل «الكتابة» متخذاً من صحيفة «الجزيرة» الغراء ميداناً رسم فيه ملامح «الجولة» وملاحم «البطولة» التي سخرها في خدمة «المعرفة» ووظفها في همة «الثقافة»..

إنه الكاتب الشهير محمد عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- أحد أبرز الكتاب في الوطن والخليج..

بوجه نجدي وسحنة حنطية مسكونة فيهما «الدفاع» عن الافتراءات وهمم «الترافع» عن الادعاءات، وعينان لماحتان تسطعان بنظرات «التفكر» ولمحات «التبصر» وأناقة وطنية تتكامل على قوام مجلل بالتواضع، ومكلل بالرقي وشخصية باهية الحضور زاهية التواجد مسجوعة بروح «التفكر» ومشفوعة ببوح «التفكير» لطيفة المعشر أنيقة التواصل لينة الجانب نبيلة الوصال أصيلة القول، وصوت جهوري بلهجة نجدية ولغة ندية وعبارات معرفية واعتبارات أدبية تطغى عليها براهين «الاعتبار» ودلائل «الاقتدار» قضى آل الشيخ من عمره عقودا وهو يؤسس «أصول» الثقافة وينشر «فصول» المعرفة وينثر عبير «الحرف» ويهدي تعابير «الاحتراف» ويبهج مساحات «الرأي» ويعلي راية «الرؤى» ويرفع مقام «المقال» ويضيء شؤون «الحصافة» وينير متون «الصحافة» ككاتب مغوار أدى رسالته الإعلامية وحقق غايته المهنية وترك بصماته مضيئة في عوالم «الأثر» ومعالم «التأثير».

ولد آل الشيخ وسط أسرة كريمة ذات أصول عريقة في النسب ارتبطت بالسماحة والوجاهة وتفتحت عيناه على «أب وجيه» ذي أياد بيضاء في إغاثة الملهوف وصاحب دار عامر يقري الضيف ويعين العابر، ملأ قلبه بموجبات «التوجيه» وواجبات «التربية» وأم ذات كفوف مجبولة على الدعاء أنارت طريقة بدعوات «التفوق» وابتهالات «التوفيق».

عاش بين عائلة سديدة ملأت فؤاده بالحنان المبكر والذي تحول عبر محطات عمره إلى «امتنان» مسطر ظل يضعه في وعاء «الفضل» ويكمله باستدعاء «النبل» الذي كان «سراً» يرافقه في طفولته وتجلى «جهراً» في شبابه ورشده.

ركض مع أقرانه من الأقارب والمقربين والجيران في طرقات «الرياض» التي طالما أحبها، وظلت مزيجاً من الحب والانتماء الذي تسرب الى أعماقه واتجه إلى آفاقه رابطاً ما بين جغرافيا «الأماكن» وتاريخ «الذكريات».

تنفس آل الشيخ نسائم «الشتاء» في ليالي نجد العذية واستأنس بأنفاس «المساء» مخاطباً والديه بأمنيات أولى تباينت ما بين براءة الصغار وجرأة الانتصار مما جعل المحيطين به يطلقون «النبوءات» بقدوم مشروع بشري معرفي ينضم إلى «عقد» المعارف في صفحات الأسرة المجيدة.

عمل في بداياته في مجال النجارة والأعمال المختلفة، وظل يلاحق بعد نظره على «مسافات» من الأماني و»استيفاءات» من التفاني جعلته يهرول باتجاه الصحافة والكتابة وارتبط بالأدب الشعبي، وترأس مجلتي «قطوف» و»حياة الناس» الشهيرتين في ميدان المطبوعات الشهيرة.

كتب قصائده في خلوات «التأليف» فأمطر بالشعر في ثنايا «البدايات» وظل يكتبه في اتجاهات مختلفة جعلت قريحته تصدح به بين الأصدقاء والزملاء إضافة الى «كتابات» مبكرة كتبها على «كشكوله» الفاخر الممتلئ بأفكار تزاحمت في عقله فبدأ في سردها ككلمات رصينة نطقت بالحق واستنطقت بالحقائق».

ارتبط بالشعور الذي خالجه كثيرا فتواءم مع الأدب وترابط مع النشر، وارتهن إلى التواري خلف «العابر» الذي اتخذه كاسم شعري مستعار وأبهج «الشعر المغنى» بمشاركات بديعة غناها بعض الفنانين، ومنهم عبد المجيد عبدالله، وظل يصنع «الأضواء» بفكره هارباً من فلاشاتها ببساطة «الكبار» إلى صف «التخطيط» الذي ملأ صفحات المجلات والصحف برؤى التميز.

ولأنه مسكون بالكفاح فقد امتطى صهوة «الكتابة»، وبدأ بنشر مقالاته وكانت له زاويته «الثابتة» في صحيفة الجزيرة لسنوات طويلة كانت بمثابة «المنهج» ومثوبة «المنهاج» الذي كشف «اللثام عن خلايا «الصحوة» ومطايا «السلفيين» ومضى يسخر «المقالات» في معركة استمرت لسنوات انتصر فيها، ورفع في أرض المواجهة «راية» النصر وخلد في «ذاكرة» الخصوم «مواجع» الانهزام.

تعرض آل الشيخ لهجمات شرسة من أطراف متعددة، جندت مواقعها للنيل منه ومن كتاباته ومسيرته ومحاولة «التعتيم» على إشعاع «الكتابة» التي أصابتهم في «مقتل» فظل صامداً يوزع «بشائر» الفوز في أفق «السعي» ونتاج «الوعي» وتوالت مواقع المواجهة ووقائع المجابهة وتوالت المعارك المحتدمة التي طال أمدها وتكلل مصيرها بالنصر المبين له في احتدام بين «قلم جريء» و»فكر ضال».

توالت الأمثلة على الهجوم «المنظم على آل الشيخ حتى أن هنالك من نادى بمهاجمة مبنى صحيفة الجزيرة إثر رأيه في آراء الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني -رحمه الله- وادعاؤه القدرة على علاج مرض «الإيدز» إضافة إلى ما واجهه من هجوم عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل تواصله الخاصة، إلا أنه وقف لها بالمرصاد وبالمثابرة في تحقيق أهداف رسالته ككاتب رأي، وصاحب أمانة ومؤدي مهمة ووطني حتى النخاع.

واصل آل الشيخ الكتابة بأنفاس «فارس» أصيل و «كاتب» شجاع، وقد قال ذات يوم منذ أكثر من عقدين أن الظلام لا بد وأن ينجلي وأن نرى «الضياء» موجهاً بوصلة «الرأي» نحو أفكار «الظلاميين».

انتقل آل الشيخ إلى رحمة الله يوم الثلاثاء التاسع من شهر يوليو الجاري من العام 2024 بعد صراع مع المرض في ظل مواجهة أخرى كان عنوانها الصبر وميدانها الاحتساب، استمر خلالها متواصلاً مع زملائه وأصدقائه، ونعاه كبار المسؤولين في رسائل متوالية على منصة «أكس» ووفق البرقيات الشخصية وعبر التعازي الخاصة إلى أهله وذويه، وتناقلت وسائل الإعلام والتواصل «النبأ» بواقع الرحيل المر والفقد المرير لأحد أعمدة الكتابة الصحفية المتميزة وصاحب الآراء الصامدة أمام تيارات المتطرفين والمتشددين وجماعة الإخوان والأحزاب والجماعات المارقة ذات الأفكار الضالة والرؤى المضللة.

اقترن رحيله برصيده «السديد» و»المديد» من المقالات المتعددة والتي واجهت التشدد بحزم القلم وعزم الكلمة وتقارن مع ذكريات مبهجة ذكرها رفقاء دربه وزملاء مهنته وأصدقاء عمره الذين نثروا عبارات العزاء ونشروا مفردات النعي بمرارة الرحيل ولوعة الوداع.

محمد آل الشيخ الكاتب المنتصر المغوار صاحب السيرة الفاخرة بالإنجاز، والمسيرة الزاخرة بالاعتزاز، والرقم الصعب في «قوائم» المبدعين والناتج الصحيح في «مقامات» المؤثرين.