حسن اليمني

حرب عالمية بدأت تظهر على ألسنة كثير من الساسة في الغرب والشرق حتى إن الرئيس الصربي أعلن بدء تخزين المؤن الغذائية استعدادا لنشوب الحرب فيما استحضر الرئيس الفرنسي الحقيبة النووية، وروسيا تبرم معاهدة دفاع مشترك مع كوريا الشمالية، والمواجهات العسكرية بين حزب الله والكيان المحتل تتصاعد بشكل سريع، والحرب في غزة ما زالت مستمرة.

الأمر ليس تهويلا ولكن معطيات الصراع العالمي تبدو قد وصلت ذروة ما قبل الانفجار، ذلك أن التفاهم الروسي - الأمريكي الذي كان يحمي ويحفظ رتم أحداث العالم أصبح اليوم على النقيض تماما، فبدل التفاهم صار الكيد والتآمر وصناعة العراقيل فيما ارتفع التنسيق والتحالف بين كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية بقوة عسكرية واقتصادية متصاعدة بينما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة العالمية تتخبط في تراجع سياسي وعسكري واقتصادي وحتى أخلاقي وظهور تباعد في المسافة بين الاتجاه السياسي والاتجاه الاجتماعي بما في ذلك دول أوروبا الحليفة، وفي كل ذلك معطيات تعطي دفعا للتأزم وانغلاق سبل التفاهم بما يجعل نشوب الحرب العالمية مسألة وقت لا أكثر.

حينما أمرت الولايات المتحدة الأمريكية كل من بريطانيا وفرنسا بالخروج من استانبول يوم 23 أغسطس من العام 1923م كان ذلك مؤشرا لصعود الولايات المتحدة الأمريكية لزعامة العالم ثم تجلى ذلك بوضوح أكثر بعد الحرب العالمية الثانية واليوم وبعد قرن من الزمن يبدو أن العالم يتهيأ لعصر جديد، ولا يمكن لنظام عالمي أن يتقدم دون إنهاء النظام السابق ثم إنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا من خلال قهر الحرب وغلبتها، أما وأن الغرب بزعامة الولايات المتحدة قد تم كشف عوار زعامته وجور حكمه ليس من الخارج فقط، بل من الداخل بدليل الاحتجاجات المستمرة في مدن الغرب وبالأخص أمريكا وبريطانيا وفرنسا وانقلاب الرأي تجاه الكيان الصهيوني ورفض دعم الحكومات الغربية له مقابل صعود جبار وعظيم للاقتصاد الصيني بما في ذلك التصنيع وترقية التقنية مدنية وعسكرية إضافة إلى عسكرة كوريا الشمالية بأعتي الأسلحة النووية والكهرومغناطيسية والصواريخ الباليستية مع نجاح روسيا في حماية الاقتصاد وتدعيمه بعيدا عن المقاطعة الغربية وتحشيد أوكرانيا ضدها فإذن الفرصة مواتية تماما لحسم صراع الزعامة العالمية.

نعلم أن حربين عالميتين قد نشبتا في القرن الماضي راح ضحيتهما ملايين من البشر وانتهتا بقنبلتين نوويتين جعلت إعادة الحروب العالمية مع تطور أسلحة الدمار الشامل انتحارا وتدميرا للعالم كله، لكن هذا لا يعني استحالة قيام حرب عالمية ثالثة بل الحقيقة أنها فعلا قائمة منذ نشوب الحرب الروسية - الأوكرانية والتي تشابهت إلى حد ما مع بداية تمدد ألمانيا في أوروبا، و-قبل أيام- أعلن الرئيس بوتين أنه يمكن تزويد القوى المحاربة للنفوذ الأمريكي بأسلحة مشابهة لما تقدمه أمريكا لأوكرانيا، بمعنى المعاملة بالمثل، بتوضيح أكثر فإن روسيا تقول لأمريكا إن استمرأتم في دعم أوكرانيا سأدعم حماس وحزب الله، والصين لم تقل ذلك حتى الآن لكن وصول الدعم الروسي سيفتح الباب أمام الصين وكوريا الشمالية، وفي حال حصول ذلك فالنسبة لروسيا فقد بدأت -فعليا- في تنفيذ التحذير حين أعلنت عن فتح مخازن السلاح الروسية في سوريا لحزب الله في المواجهة المحتملة، وفي الكيان الصهيوني صادق قائد القيادة الشمالية في الجيش الإسرائيلي على خطط الهجوم على لبنان، حيث إن ميدان الصراع منحصر في منطقة محددة مع وجود قواعد روسية وأمريكية وفرنسية، لذا؛ يبدو أن القوى النووية العظمى وبالتحديد روسيا وأمريكا أدركا أن هذه الحرب العالمية المنتظرة تستوجب استخدام الأدوات المتصارعة بدلا من الدخول المباشر هو الخيار المنطقي.

في حال شن الكيان المحتل حربا على حزب الله فإن الأمر سيختلف كثيرا عن حرب غزة، فإيران وسوريا تقفان وبقوة خلف حزب الله وروسيا تقف خلف إيران وسوريا وتركيا تعاني من ميليشيات داعش والميليشيات الكردية المناوئة لها والمدعومة من أمريكا وفرنسا والحسابات ستصبح أكثر دقة ومهارة في اقتناص الفرص بما يحتمل تغير التحالفات والمصالح، فلكل دولة غايات وأهداف وفي غمار الحروب وخاصة حينما تكون بين أطراف متعددة فإن مثل هذه الحروب تستدعي دخول داعمين ومساندين آخرين، وإذا كان لا شك في تحالف بريطانيا وفرنسا مع الولايات المتحدة الأمريكية فلا يستبعد ان تدخل الصين وكوريا الشمالية بجانب روسيا وهذا يستدعي هو الآخر دخول أطراف أخرى حتى دون رغبتها وإنما درءا لخطر أو اقتناص لفرص تظهر خلال مجريات الحرب، وبمعنى أننا أمام حرب عالمية ثالثة ولكن بصورة مختلفة عن الحربين السابقتين وأعني حرب مباشرة بين روسيا وأمريكا فهذا انتحار عالمي يعد مستبعدا إلى حد كبير، لكن المواجهة الأمريكية - الروسية أو الشرقية الغربية ستكون بالطبع عسكرية ولكن عبر وكلاء راغبين ومضطرين هذا من جانب ومن جانب آخر ستكون سياسة واقتصادا بين المعسكرين الشرقي والغربي وحشد حلفاء لخلق نظام عالمي جديد.

الرغبة الأمريكية أن تكون أوكرانيا منطقة الحرب وذلك لحماية نفوذها في المنطقة العربية وعدم المخاطرة بالوجود للكيان الصهيوني لولا أن ذلك يماس الحدود الروسية بما يجعل استخدام السلاح النووي أمرا محتوما، وأما تايوان فإن اشتعال حرب صينية - أمريكية هناك تعطي روسيا فرصة لابتلاع كل أوكرانيا والدخول إلى بولندا، والأمر ليس ذلك فقط، بل إن المنطقة تغلي فعلا وتستعد للانفجار مع خلو صندوق الحلول السلمية إلا من محاولات كسب بعض الوقت لا أكثر.