ضياء رشوان

جاء البيان المشترك الصادر عن الرئيسين المصري والأمريكي وأمير قطر بخصوص الدعوة إلى الاستئناف الفوري لمفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن المحتجزين والأسرى، لكي يمثل علامة فارقة غير مسبوقة منذ بدء الحرب والعدوان الإسرائيلي الدموي على قطاع غزة قبل ما يزيد على عشرة أشهر، وليطرح مؤشرات مهمة يصعب تجاهلها.

فمن ناحية الشكل، هذا هو البيان الأول من نوعه الذي يصدر عن الدول الثلاث الوسيطة في المفاوضات منذ بدئها، على مستوى قياداتها الأولى. فقد تعددت التصريحات والبيانات والمشاورات المشتركة بين هذه الدول طوال ذلك الوقت على مختلف مستويات المسؤولين في كل منها، ولكنها المرة الأولى التي تصدر قياداتها الأولى بياناً مشتركاً يحمل أسماءهم شخصياً.

ويعني هذا بالإضافة لأهمية الدعوة ومضمون ما جاء بالبيان، أن القادة الثلاثة أيضاً يرون من ناحية أن صدور البيان عنهم شخصياً هو أمر تستلزمه مواجهة وتجاوز التعقيدات والعقبات التي تواجهها المفاوضات منذ يناير الماضي.

ولا شك أيضاً من ناحية ثانية، في أن صدور البيان عن قادة الدول الثلاث يحمل «مجازفة» منهم، على الأرجح محسوبة، باحتمال ألا تلقى الدعوة التي حملها البيان قبولاً لها بما يفضي إلى بدء المفاوضات ونجاحها.

وتشير النقطتان السابقتان إلى أن صدور البيان عن هذا المستوى السياسي الأعلى بدول الوساطة الثلاث، هو مرتبط بصورة مباشرة بالسياق الحالي في المنطقة منذ اغتيال إسرائيل القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر ببيروت، والاغتيال غير المعلن فاعله في طهران لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.

فقد أضاف الاغتيالان إلى المأساة الدموية غير المسبوقة التي تعانيها غزة، أبعاداً جديدة وتبدو شديدة الخطورة لانفجار إقليمي أوسع بكثير، يمكن لها جر المنطقة كلها، وربما معها قطاعات وقوى أخرى من العالم إلى حرب واسعة ومعقدة ومتعددة المراحل والجبهات، بما يضع السلم والأمن الإقليمي والعالمي في خطر داهم.

من هنا، فإن صدور بيان الدعوة الفورية لاستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين عن قيادات الدول الثلاث، جاء في توقيت قدرت هذه الدول أن تدخل قادتها هو أمر ضروري وعاجل للغاية، للسعي إلى تهدئة التوتر المتصاعد ووقف التدهور السريع نحو هاوية الحرب الإقليمية الأوسع.

وهنا يأتي حديث «المجازفة» المحسوبة من القادة الثلاثة مصدري البيان. فالأكثر رجحاناً هو أن حسابات الدول الثلاث في هذا التوقيت بالتحديد، قدرت أن استمرار الحرب على غزة لما يزيد عن عشرة شهور بدون تحقيق إسرائيل نصراً حاسماً على فصائل المقاومة الفلسطينية وخصوصاً حماس، وبقاء المحتجزين الإسرائيليين في أيديهم أحياءً وأمواتاً، واستقرار قيادة حماس السياسية والعسكرية بيد يحيى السنوار صاحب القرار الحقيقي للحرب والسلام في الحركة، وتحقيق رئيس وزراء إسرائيل سلسلة الاغتيالات الفلسطينية واللبنانية بما رفع شعبيته بداخل المجتمع الإسرائيلي، وجعله يقدم له «صورة النصر» التي يبحث عنها، قدرت الدول الثلاث أن هذه العوامل كلها معاً تزيد من فرصة العودة للمفاوضات والتوصل عبرها لاتفاق يصل في آخره لإنهاء الحرب وعودة المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين.

رأت الدول الثلاث، وهذا صحيح على الأرجح، أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني سيجد كل منهما في الاتفاق المزمع الوصول إليه، ما يرضي تطلعاته ضمن الظروف الصعبة على الطرفين بعد كل هذه الشهور الطويلة، ويستطيع أن يقدمه لجمهوره باعتباره نتاجاً لما حققه من «نصر» أو صورته على الطرف الآخر. ولا شك في أن جهوداً كثيفة متواصلة بذلها الوسطاء الثلاثة طوال الفترات الماضية مع الطرفين لتسهيل قبولهما بعناصر الاتفاق المقترح، قد ساهمت بصورة مباشرة في الوصول لتلك النتيجة.

وفي كل الأحوال، يبقى التساؤل الذي يحتاج إلى تحليل منفصل، حول ما إذا كان نجاح المفاوضات والتوصل سريعاً لاتفاق يمكن له أن يوقف احتمالات رد كل من إيران وحزب الله المعلن عنه على إسرائيل، أو يقلل من شكل وحجم هذه الردود.

ولكن أيضاً وفي كل الأحوال، على الأرجح سيؤدي بدء المفاوضات ونجاحها السريع إلى تهدئة ستكون ملحوظة في المشهد الإقليمي شديد التوتر، حيث ستفقد القنبلة الضخمة الموقوتة في المنطقة فتيلها المتفجر وهو الحرب الدموية في قطاع غزة.