ناهد الأغا

لطالما كان هناك العديد من الوسائل التي يلجأ إليها المرء لإيصال أفكاره ومشاعره للآخرين.. ولعل «الرقص» من أقوى تلك الوسائل وأمضاها.. كيف لا؛ وهو تلك اللغة العالمية التي تحاكي الروح لتصل إلى أعماق النفس ملغية جميع العوائق اللغوية والثقافية.. فيمكن القول بأن الرقص أحد أشكال الفنون الراقية التي من خلالها يعبر البشر عن أنفسهم عبر الإيقاع والحركة التي من ضمنها يقومون بإيصال مشاعرهم وما يجول في خواطرهم.. والرقص بمفهومه يشمل العديد من التقنيات والأساليب والأنواع.. ناهيك عن فوائده الجمة التي تعود بالخير على الصحة الجسدية والعقلية والنفسية.. كذلك لكل نوع من أنواع الرقص أهميته الفنية والثقافية وكذلك تاريخه الذي ملؤه السحر والرقي..

ولو توقفنا عند فوائد الرقص نجد أنه يسهم في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية؛ فهو يرفع القدرة على التحمّل مما يقوي العضلات.. وهذا بدوره يعتبر تمريناً مثالياً للمحافظة على اللياقة البدنية.. أما من ناحية الصحة العقلية فهو العامل الأبرز في تقليل التوتر وربما تصفيره من خلال رفع مستوى الحالة المزاجية للشخص؛ وذلك عبر إفراز الدماغ مادة الاندروفين وهو واحد من هرمونات السعادة المهمة.. ويبقى الأهم في فوائد الرقص تعزيز الثقة بالنفس مما يساهم في تحسين المهارات الأدائية التي تزيد التفاعل الإيجابي مع الآخرين؛ وتعزّز الانسجام ضمن فريق العمل؛ وخلق جو عنوانه الإبداع والابتكار لأن الرقص بدوره الأهم يحرر النفس من جميع ما هو سلبي من مشاعر ويجيز للشخص التفلت من كل قيود تغل إبداعه وطموحه..

ولأن الرقص فن أدائي ويتربع على رأس الفنون الشعبية التي تحمل بين ثناياها ثقافة الشعوب وتراثها التليد.. ولكونه لكل مقام المقام؛ سنستعرض في هذا المقال الميمون الرقصات التقليدية أو الرقصات الشعبية في المملكة العربية السعودية التي تعتبر موروثاً ثقافياً وفناً أدائياً في مجتمع المملكة المحلي وبقية المجتمعات المحلية الأخرى..

ولعل أبرز الرقصات الشعبية والتراثية في المملكة تلك التي تعد أيقونة الرقصات ألا وهي:

العرضة السعودية: حيث كان لها السجل الأول والافتتاحي في قائمة التراث العالمي المدون في اليونسكو «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة» الخاص بالمملكة العربية السعودية.. وتعتبر العرضة السعودية أو الرقصة النجدية حسب المتعارف عليه محلياً عبارة عن البروتوكول الرسمي لاستقبال رؤساء الدول والاحتفاء بهم عند زيارتهم للمملكة..

أما الدحة الشمالية: فتعد واحدة من الأهازيج التي يكون العامل الأساس فيها قوة الأصوات البشرية وتعبر عن أحد الطقوس التي يحتفي من خلالها المحاربون لانتصارهم في نهاية المعركة.

وعن أهازيج الملاحة البحرية: يمكن القول بأن كافة دول مجلس التعاون الخليجي تؤدي رقصات تقليدية متشابهة سيما في المنطقة الشرقية، حيث شكلت أهازيج الملاحة البحرية زخماً مترفاً على امتداد الشاطئ الذي تسكب بين طياته موسيقى عذبة وأغنيات قيلت خاصة لغواصي اللؤلؤ. واستحوذت منطقة الأحساء على نمط جميل من أنماط الرقصات الشعبية وكني نسبة إليها «الحساوي» ويعتمد في تأديتها على آلة «الفجيري» الفخارية التي يطرق عليها بكف اليد مصدرة أصواتاً عنوانها التفخيم لتؤدي الفرقة رقصتها.

أما بالنسبة للرقصة الشعبية الحجازية التي يطلق عليها أيضاً التعشير الحجازي فتعتبر واحدة من الرياضات التي تعتمد على الخفة في أدائها وتعد الرقصة التي تجمع ذكاء العقل وسرعة بديهته مع التنسيق الحركي الانسيابي للجسم وسرعة استجابته وعنوانها الأساس القفز فوق لهب البندقية بحركات تثير الدهشة.

ولعل الأكثر شيوعاً في المناطق الجنوبية من المملكة الرقصة الرائعة التي تسمى الخطوة العسيرية: أو كما تكنى بالجنوبية نسبة إلى منطقتها وطريقة أدائها يكون بخطوة واحدة نحو الأمام ثم بخطوة إلى الخلف عبر إيقاع يزيد ألقاً وعذوبة وسط هتاف المؤدين لها.

كما اشتهرت في تلك المنطقة رقصة «اللعب القزوعي» التي يعتمد في أدائها على التغيير المتناسق الانسيابي لأوضاع الجسد.. كالانحناء ومن ثم الاعتدال ثم القفز بخطوات أربع.

كذلك اشتهرت منطقة نجران بنمط رقصة الخطوة التي ينفذ من خلالها اثنان من الراقصين المؤدين حركات كالمطاردة حاملاً أحدهما خيزرانة على حين يحمل الثاني خنجراً. وتبقى السمة المميزة والمشتركة بين كل ما ذكر من رقصات المملكة التقليدية هي وحدة الأداء والشكل، حيث تشكّل الصفوف المتقابلة على حلبات الرقص وساحاته.. ويحمل المؤدون لها أدوات كالسيف أو الخنجر أو الخيزران.. وتتقاطع الرقصات كذلك بنقاط واحدة كأسلوب الضرب إلا أن الاختلاف يكون بشكل حركات الأجساد أو الإيقاع الصوتي الصادر من الراقصين المؤدين لتلك الرقصات المذهلة.

ويبقى الرقص الشعبي على مر الأزمان أحد أبرز الفنون التراثية والأدائية في المملكة العربية السعودية وهو يدل على غزارة الإرث الثقافي لمناطق المملكة ومدنها وحواضرها التي سمت بثقافة استثنائية متنوعة يتجلى في طياتها الإبداع والابتكار والذي ينظر إليه من قبل جميع الدول بعين الفخر والزهو لحضارة ترسم بطموح منقطع النظير.