خالد بن حمد المالك

مضى أكثر من عام على القتال في السودان، ولم تخف حدته، أو يظهر ما يؤكد على أن هناك حلاً قريباً موعوداً به هذا البلد المنكوب، رغم كل المحاولات والوساطات والتدخلات، مع ما في بعضها من شكوك في نواياها ورغبة في استمرارها حتى وإن ظهر على السطح خلاف ذلك.

* *

مثَّل اجتماع جدة بين مُمثلي الجيش والدعم السريع بارقة أمل، انتهى بإعلان جدة الذي قبل به الطرفان في بداية القتال، لكن دون التزام بتنفيذه، وكل طرف يتهم الطرف الآخر بعرقلة الالتزام بما تم الاتفاق عليه.

* *

الآن يجري الحديث عن اجتماع يُعقد في جنيف، وكل طرف يفسِّر أهداف الاجتماع بما يُلبي شروطه، فالجيش يرى أن مسؤولية اجتماع جنيف يجب أن تقتصر على تسهيل تنفيذ ما تم التوصل إليه في جدة، بينما يرى الدعم السريع أن إعلان جدة إنما هو مفتاح لعقد اجتماع جنيف، لا للالتزام بمفرداته، أي أن الذهاب إلى جنيف لا يعني الالتزام بما تقرَّر في إعلان جدة.

* *

المملكة سعت مبكراً في تطويق المشكلة، وفي جمع الطرفين على طاولة واحدة، وبذلت كوسيط على مسافة واحدة من الطرفين كل جهد ممكن لإنجاح المباحثات، ونجحت في ذلك، ولكن عند التنفيذ، وبعد انفضاض الاجتماع حصل ما حصل، واستمر القتال إلى اليوم.

* *

هناك قوى خارجية لا تُريد للسودان أن يتعافى، وقد يكون لها مصلحة في استمرار القتال، حتى وإن أظهرت تعاطفاً يساند إيقاف هذا الصراع الدامي، بل هناك من يقف داعماً ومسانداً لهذا الطرف أو ذاك، بما يمكن فهمه على أنه ضد وحدة القوة العسكرية بين الجانبين.

* *

والمسؤولية في ذلك تقع على الجيش والدعم السريع معاً، فالقتال لا يخدم إلا أعداء السودان، وليس هناك منتصر في هذا القتال، بل إن الجميع في موقع الخاسر، والسودان هو من يدفع الثمن، ولا مصلحة للسودانيين في استمراره، خاصة مع إقفال كل الفرص والأبواب المتاحة للخروج من هذا النفق المظلم.

* *

بوضوح أكثر، البلاد هُدِّمت، والقتلى والمصابون والمهجّرون بالملايين، والاقتصاد في حالة انهيار، والأسلحة التي تُستخدم في القتال اشتريت بأموال الشعب للدفاع عن الوطن والمواطنين، لا أن يُقتل بها المواطنون، وتهدم بها مدن وأحياء السودان، فضلاً عن الأمن المفقود، والخوف الذي يصاحب كل مواطن في الليل وفي النهار.

* *

وفي ظل هذه الأجواء التي تقرع فيها أصوات الأسلحة كل باب، وتهدد كل مواطن، أما آن لها أن تسكت، وأن يتجه الجميع إلى الحوار البناء، والتفكير بالمصلحة العامة، بعيداً عن المصلحة الخاصة، والتفكير الضيق، والهروب من الحلول الممكنة التي ترضي الجميع؟!

* *

ليس هناك - بنظرنا - مصلحة لتأخير الحل، وإيقاف القتال، إذ كلما تأخر ذلك، عانى السودان والسودانيون أكثر، وأصبحت الحلول المتأخرة ذات تأثير محدود على معالجة ما يكون قد حل بالبلاد من مآس وويلات لن تكون الدولة قادرة حينئذ على معالجتها في فترة زمنية قصيرة، ولا على العودة لبناء السودان من جديد في ظل إمكاناتها المحدودة، وحجم الدمار الذي يكون قد حل بالبلاد.

* *

وعلى الطرفين التفكير الجاد، والنظر إلى ما آلت إليه البلاد بسبب هذا القتال، وما يمكن أن تكون عليه مستقبلاً مع استمرار العناد على مواصلة هذا الصراع، وصولاً إلى حل يوقف نزيف الدماء، والتوقف عن الإفراط في صراع دموي لا خير فيه، ولا مصلحة منه لأي طرف.