أسعد عبود
عمّق الاعتداء الذي ارتكبه طالب لجوء سوري ينتمي إلى تنظيم "داعش" الإرهابي في مدينة زولينغن بغرب ألمانيا في 23 آب (أغسطس)، وأسفر عن مقتل 3 أشخاص طعناً، جروح الائتلاف الحاكم بزعامة أولاف شولتس، وعزّز في المقابل مكاسب حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرّف، الذي يتخذ موقفاً جذرياً من قضية الهجرة.
تمرّ أحزاب الائتلاف الحاكم، وهي الاشتراكي الديموقراطي والخضر والديموقراطي الحرّ، اليوم باختبار قاسٍ مع الانتخابات الإقليمية في مقاطعتي ساكسونيا وتورينغن في شرق ألمانيا. وتشير الاستطلاعات في الأيام الأخيرة إلى أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" يتصدّر في هاتين المقاطعتين، بينما يأتي الاتحاد الديموقراطي المسيحي في المركز الثاني، ولم تعطِ نيّات التصويت الديموقراطي الاشتراكي سوى نسبة 6% في أفضل الحالات، بينما لن يتمكن الخضر والديموقراطي الحرّ من اجتياز نسبة التصويت الضرورية لدخول البرلمانين في المقاطعتين.
إنه وضع كارثي بالنسبة إلى شولتس، وينذر بخسارة مدوّية لحزبه في الانتخابات الوطنية في أيلول (سبتمبر) 2025. وأتى الاعتداء الدامي في رولينغن ليسلّط الضوء مجدّداً على سياسة الهجرة، التي يُتّهم الائتلاف الحاكم بسببها بالإخفاق في التعامل مع ملف أساسي تزداد خطورته مع تردّي الأوضاع المعيشية للألمان، خصوصاً مع التفاوت في الدخل بين غرب ألمانيا وشرقها الذي كان يُعرف بألمانيا الديموقراطية قبل التوحيد في عام 1990، بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة.
سلك حزب "البديل من أجل ألمانيا" منذ تأسيسه في عام 2013 نهجاً معادياً للهجرة. وتمكّن في عام 2017 من دخول البوندستاغ، بينما كانت موجات من اللاجئين السوريين والأفغان تتدفّق على البلاد. علاوة على ذلك، استغلّ الحزب استياء شريحة لا بأس بها من السكان بسبب التضخّم الناجم عن الحرب الروسية – الأوكرانية التي رفعت أسعار الطاقة ارتفاعاً صاروخياً، أو بسبب سياسات الحكومة بالتحوّل إلى الطاقة النظيفة، التزاماً بخطة الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى معدلات صفرية بحلول عام 2050.
ونجح اليمين المتطرّف في الحلول بالمركز الثاني في الانتخابات الأوروبية التي أُجريت في 9 حزيران (يونيو) الماضي، على الرغم من الحملة التي تعرّض لها "البديل من أجل ألمانيا"، عقب تكشّف فضيحة مشاركة ممثلين عنه في اجتماع لأحزاب يمينية متطرّفة وذات جذور نازية في النمسا، وإصدار وثيقة تنصّ على ترحيل جماعي للمهاجرين في حال الوصول إلى السلطة.
أفرزت المتاعب المعيشية التي نجمت عن الحرب الروسية – الأوكرانية ديناميات جديدة في المجتمع الألماني. ومن بين هذه الظواهر استقطاب "تحالف سارة فاغنشنخت" الجديد، الذي أسّسته اليسارية البارزة سارة فاغنكنخت بعد انفصالها عن اليسار الراديكالي، قسماً من سكان الشرق الألماني الذين يعتبرون أن برلين تعاملهم معاملة المواطنين من الدرجة الثانية.
وحصل هذا التحالف الذي يرفض تزويد أوكرانيا بالأسلحة على ما بين 15 و20% من نيّات التصويت في ساكسونيا وتورِنغن، بعدما نجح في الحصول على 6% من الأصوات في أول مشاركة له في الانتخابات الأوروبية. وثمّة توقعات بأن يدخل التحالف إلى البوندستاغ في انتخابات عام 2025.
والقوى الجديدة الصاعدة في ألمانيا هي امتداد لصعود اليمين المتطرّف واليسار المتطرّف في فرنسا على حساب القوى الوسطية. وخرج اليمين المتطرّف في بريطانيا في عرض للقوة في آب (أغسطس) على خلفية مقتل 3 فتيات في مدرسة للرقص بإنكلترا على يد فتى أشيع أنه طالب لجوء مسلم، ليتبين بعد ذلك أنه رواندي مولود في كارديف، عاصمة ويلز. ويتزعم نايجل فاراج موجة العداء للمهاجرين، وقد تمكّن من الحصول على 14% من الأصوات في انتخابات مجلس العموم في تموز (يوليو) الماضي.
ويهدّد اليمين المتطرّف الذي يحكم في إيطاليا، والذي تصدّر الانتخابات في هولندا، وحقّق نتائج جيدة في النمسا، بتغيير وجه أوروبا مستغلاً قضية الهجرة والعداء للأجانب.
التعليقات