عبده الأسمري

ما بين «براهين» السيرة و»مضامين» الخبرة بنى صرح «الأثر» على أركان من السمعة، وأقام هرم «التأثير» على أصول من «الصيت» في متون القيادة وشؤون الريادة التي ظلت صامدة بواقع «الفوائد» وشاهدة بوقع «العوائد».

كتب جملته الفعلية بأفعال «المآثر»، فكان الضمير المتصل الذي مزج ما بين «إنسانية» مذهلة و»مهنية» فاخرة جعلت اسمه «ساطعاً» من عمق الإلهام إلى أفق المهام.

إنه أول رئيس لهيئة سوق المال المهندس جماز بن عبدالله السحيمي - رحمه الله -، احد ابرز رجال التنمية وخبراء الاقتصاد في الوطن والخليج.

بوجه نجدي «أصيل» مسكون بملامح فتية ندية قوامها استشعار «الهمم»، ومقامها اعتبار «القيم»، وتقاسيم ودودة مزيج من الجد والود، وعينان تسطعان بنظرات «الإثبات» ولمحات «الإنصات»، مع أناقة وطنية تعتمر «البياض» الزاهي بمحيا فاخر الحضور وزاخر التواجد في «المدار العملي» و»المحيط الاجتماعي»، وشخصية بارزة المقام ودودة الجانب لطيفة المعشر نبيلة التواصل أصيلة الوصال، وكاريزما يتجلى منها سمو الذات ورقي القول وارتقاء الفكر وفصاحة قولية وحصافة لفظية تعتمد على مكنون معرفي ومخزون مهني يتوارد من خبرات «عريضة «ولغة «عصماء» في مواقع العمل ومواطن القرار، ولهجة «بيضاء» في مجالس الأسرة واجتماعات العائلة تسمو فيها عبارات «الاقتصاد» واعتبارات» السداد».

قضى السحيمي من عمره عقوداً وهو يؤسس منهجيات «سوق المال»، ويؤصل مناهج «تداول الأسهم»، ويمنح «الشركات» حلول التميز، ويهدي للقطاعات فصول الامتياز كخبير اختصاص ومسؤول مرحلة ورائد تأسيس وضع اسمه في قوائم «الفضلاء»، وترك سيرته في مقامات «النبلاء».

في محافظة القويعية درة «الرياض» الساطعة بالتراث الوطني والإرث التاريخي، والباذخة بزف المتميزين إلى أعراس المسؤولية ولد عام 1945 وسط أسرة شهيرة بالفضل ومشهورة بالنبل، وتناقل جيران المكان «النبأ» بصدى «الفرح» ومدى «السرور» وازدان منزل والده «الوجيه» النجدي بإضاءات «البهجة» التي امتزجت بمحفل القدوم واحتفال المقدم.

وتفتحت عيناه على والد كريم نبيل ملأ قلبه بواجبات «التوجيه» وموجبات «النصح» وأم عطوفة أسبغت عليه بهدايا «الحنان» وعطايا «الدعاء»، فنشأ مشفوعاً بتربية مذهلة بين قطبين من المعروف والعرفان.

تعتقت أنفاسه بنسيم ليالي نجد وتشربت روحه نفائس نهارات العارض المفعمة بالحنين واليقين، وانطلق مع أقرانه منخطفاً إلى «مرويات» الأصالة المتوارثة بين عشيرته و»حكايات» العراقة المتناقلة بين قبيلته، فكبر وفي وجدانه «ذكريات» الطفولة المشبعة بالمعارف التي كان يدونها في «ذاكرته» الغضة عن رجالات الوطن وقامات التنمية التي وجد في سيرهم «محاكاة» واقعية لنبوغ باكر جعلته يقيس مسافات «الأمنيات» بين مهارات مبكرة و»أحلام» منتظرة.

أنصت طفلاً لصوت «الموهبة» في داخله فمضى يرصد في يومياته طرائق «المثابرة» وحقائق «المصابرة» حتى قطف من «صفحات» الأيام حصاد المهارة، وحصد من «صحائف» المهام سداد الجدارة مما جعله في «تواؤم» مستمر ما بين بعد نظره وصدى انتظاره والذي تحول إلى «دهرين» للتفوق أحدهما للحاضر والآخر للمستقبل.

أتم جماز تعليمه العام متفوقاً وبارزاً بين زملائه، وكان حديث معلميه نظير ما تمتع به من «نباغة» الفكر و»بلاغة» اللفظ، ثم التحق بجامعة الملك سعود وحصل منها على بكالوريوس في الهندسة الكهربائية، ولأنه محب للعلا واصل دراسته في إلى أمريكا وحصل من جامعة واشنطن العريقة على ماجستير في الهندسة الكهربائية.

وفي بلاد «الغربة» حول مسار مستقبله قبالة القطاع المالي، حيث حصل على دورة تدريبية لمدة 8 شهور في الأعمال المالية والمصرفية في مانهاتن بنيويورك، التحق بالعمل الحكومي وتعين في منصب نائب مدير عام صندوق التنمية الصناعية عام 1982 لمدة عامين، وفي عام 1984 تعين كمدير عام رقابة البنوك في عام 1984م، ثم تولى منصب وكيل محافظ مؤسسة النقد للشؤون الفنية في عام 1989م وساهم خلالها في إنشاء المعهد المصرفي التابع للمؤسسة. وقام خلال عمله على تطوير نظام المدفوعات السعودية ورفع كفاءتها عبر الشبكة السعودية؛ الأمر الذي أسهم في تطوير «العمل» بالبنوك السعودية.

وقد تمكن خلال فترة عمله في هذا المجال من حصد «الثقة» نظراً لكفاءته ولما قدمه من «تخطيط استراتيجي» أسهم في إحداث «نقلة نوعية» في القطاع المالي والمصرفي.

وفي عام 2004 تم تعيينه على منصب أول رئيس لمجلس إدارة هيئة السوق المالية السعودية، حيث تولى مهام نوعية وأصدر قرارات تاريخية أسهمت في تطوير السوق المالية؛ مما أسهم في إنشاء شركة «تداول» في عام 2007م.. ومن أعماله المتميزة إقرار لائحة حوكمة الشركات في المملكة في نظرة مستقبلية أفضت إلى فتح باب سوق الأسهم لرأس المال الأجنبي بالسعودية في عام 2015م.

وفي عام 2008م شغل جماز منصب رئيس مجلس إدارة بنك الخليج الدولي، حيث واجه تبعات الأزمة المالية العالمية بقرارات مميزة وخطط فاعلة، وتمكن من استقرار قوائم الدخل وميزانية البنك العمومية، وقد قام بجهود كبرى في عملية إعادة هيكلة بنك الخليج الدولي وسياسة عمل إدارة المخاطر في البنك. ووضع استراتيجية خاصة للبنك وفتح فروع للمصارف ووضع منهجيات واعدة لمستقبل البنك معلوماتياً ورقمياً.

للسحيمي عضويات متعددة في عدة جهات وقطاعات وهيئات حيث إنه عضو في مجلس إدارة المؤسسة العامة للبترول والمعادن (بترومين)، وعضو في الشركة الوطنية للتأمين التعاوني، وعضو في بنك الخليج الدولي، وعضو في المجلس الوطني للتأمين الصحي، وعضو في مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار، وعضو دائم في لجنة الإشراف على الأسهم وتنظيمها.

رغم سنوات عمله الكبيرة على امتداد سنوات فقط كان «قليل «الظهور إعلامياً لاعتماده على ضوء «فلاشات» العمل بعيداُ عن الاحتفاء به، واضعاً جل تركيزه على «انعكاسات» النفع ضمن «مؤشرات» الأداء، معتمداً على «مقاييس» دقيقة للإنتاج و»معايير» أدق للاستمرارية ضمن عناوين جعلته شخصية تجيد تنظيم العمل المالي وإجادة مراقبته وفق تواؤم ما بين «الإخلاص والأمانة والنزاهة» وقرارات «خالدة» مستمدة من «قوة النظام» ومعتمدة على «حظوة التنظيم».

انتقل السحيمي إلى رحمة الله يوم الثلاثاء 10 ربيع الأول 1439 هـ الموافق 28 نوفمبر 2017 عن عمر يناهز 72 عاماً في مدينة الرياض ودفن بها، ونعته محافل الريادة ومنصات الوطن ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الوصال المجتمعي وتناقلت خبر وفاته القطاعات الإعلامية الوطنية والخليجية والتي قرنتها بأعماله وقراراته وبصماته التي تركها ناطقة في أصداء الوقائع.

ترك السحيمي من بعده «ذرية مباركة» نبعوا من «معين» تربيته وانتهلوا من «نبع» مسيرته.

جماز عبدالله السحيمي. القيادي المالي والريادي الوطني الذي قدم للوطن عطاءات فريدة وإمضاءات منفردة، وترك للأجيال معالم مستديمة من الفكر القويم والعمل الدؤوب والإنجاز المبارك.