حسن إسميك

إذا كنت تعتقد أن العصر الحالي؛ بكل ما يحتويه من تكنولوجيا متقدمة وسرعة في وصول المعلومة وتصحيحها وكشف الحقائق، يجعلك عصيّاً على الخداع السياسي وقادراً على رصده بسهولة، وبالتالي تجنُّب الوقوع ضحية له، فربما يجعلك هذا المقال تعيد التفكير حين تكتشف أن ما يصفه المفكرون بـ "ملح السياسة" وأحد أدواتها الضرورية والملازمة لها، قد نال نصيبه من التطوير والتماهي مع العصر، وأنه في اللحظة التي نعتقد فيها أننا نجونا منه وكشفناه، قد نكون واقعين تحت سطوته دون دراية منا، وأحياناً بقبولٍ تام له، أي أننا متصالحون مع فكرة أننا مخدوعون!

لماذا يستخدم السياسيون الخداع؟

يُعدّ الكذب في جميع الثقافات والأديان سلوكاً مذموماً منافياً للقيم العامة ووسيلة لا أخلاقية لتحقيق المصالح. لكنه في السياسة تحديداً يكتسب "مشروعية" في بعض الحالات، تتعلق في جزء منها باختلاف آراء الفلاسفة ومواقفهم منه منذ بداية الفكر السياسي والبحث في مفهوم الدولة والسلطة، وفي الجزء الثاني تتعلق بتقسيم الخداع السياسي لدى بعض المفكرين والفلاسفة إلى خداع داخلي (مرفوض عموماً ومقبول إذا انطوى على تحقيق مصلحة عامة) وآخر خارجي (مطلوب). ومن هنا، فعلى السياسي أن يمتلك مهارة الخداع ليتمكن من استخدامها ضد الآخر (العدو)، لكن السياسيين وعلى مرِّ التاريخ أوجدوا لأنفسهم مبررات لممارسة الخداع والتضليل مع شعوبهم بضمير مرتاح، حين يضعونه في خانة "الكذب النبيل" الذي تحدث عنه أفلاطون، وعدّه أمراً يستلزمه النظام الطبيعي للدولة، وبدوره، أباحه مكيافيلي (الذي يُعدّ أبرز منظّري الواقعية السياسية) في كتابه الشهير "الأمير"، ودافع عنه ليو شتراوس وأتباعه من الذين رأوا أن "الشعوب لا تُحكم إلا بالكذب"، أو برّره الفيلسوف الأميركي مايكل والتزر في حالة "الحرب على الإرهاب"، وهو التبرير الذي ساق العالم نحو صدامات لا تنتهي..

إذن، فالسياسيون يمارسون الخداع للوصول إلى السلطة، ثم يمارسونه بعد تحقيق غايتهم وحصولهم على المنصب لحماية مواقعهم في تلك السلطة بالدرجة الأولى، ويدّعون في أحيان كثيرة بأن مصلحة الدولة أو الشعب، أو أن الحفاظ على الأمن والاستقرار، هي الدوافع وراء كذبهم أو تضليلهم وإخفاء الحقائق بأساليب مختلفة، رغم أنهم يعلمون الحقيقة. وبذلك، تبقى السياسة هي الملعب الأوسع للخداع المبرر فلسفياً خدمةً لأهداف براغماتية، ويبقى السياسي قادراً من جهة أخرى على التنصُّل من "الأخلاق" في العمل السياسي.

أساليب الخداع السياسي وأدواته

الدين والأسطورة:

للخداع أساليب وأدوات كثيرة، بعضها قديم متجدد استفاد من التقنيات الحديثة وتطور معها، فالسياسي، من أجل أن يخدع الجماهير، قد يستخدم أدوات الخطابة والبلاغة لإحداث تأثير في نفوسهم، ويلجأ إلى الغش والتزوير والدهاء والمراوغة وطمس بعض الحقائق والتركيز على غيرها من أجل إعادة هيكلة الحقائق لتُناسب أهدافه ومآربه، أو لتلميع صورته، وهو لم يعُد مضطراً للكذب الصريح من أجل ذلك، لكن دراسة وتحليل سلوك الجماهير قدّمت للسياسيين خدمة كبيرة، حيث اكتشفوا طُرقاً جديدة للتأثير فيها، وبالتالي قيادتها.

كذلك، فالسياسي اليوم ليس مضطراً إلى إلقاء الخُطب دائماً لإيصال رسالته، فقد تقف خلفه وسيلة إعلامية تسخّر كل الإمكانيات لخدمة أهدافه والحديث باسمه وعنه، والتعبير عن توجهاته أو توجهات حزبه أو جماعته. ولم يعُد خافياً الدور الكبير لتلك الوسائل في تشكيل قناعات الناس واستقطابهم وخداعهم بأحدث الوسائل والأساليب. إذن، فالإعلام المتطور المنحاز والموجَّه والمموَّل وغير الحيادي بجميع أشكاله ووسائله، والذي يقود العالم اليوم، هو دون شك وسيلة مهمة من وسائل الخداع السياسي.

أما كيف يخدع السياسي الجماهير، فتتنوع أساليبه بين توظيف الدين أو صناعة الأساطير القومية أو الأيديولوجية، أو استغلال الأحداث التاريخية أو الحاضرة، والتي تشكل أهمية خاصة لدى جمهورٍ ما. فعلى سبيل المثال لا الحصر، جرى منذ مدة وجيزة تداوُل فيديو، يظهر فيه الرئيس الروسي وهو يُقبّل مصحفاً شريفاً أثناء تقديمه كهدية لأحد المساجد في الشيشان، واختلف تحليل المتابعين لهذا الفعل حسب موقفهم السياسي أو العاطفي، والذي تحكمه الظروف الراهنة، لكن لا يختلف اثنان أن فعل بوتين هذا يتجاوز الانفتاح على الآخر والأخوّة الإنسانية وما إلى ذلك، بل وراءه أهداف سياسية محضة، أوضحها محاولة التقرب من الشعب الشيشاني المسلم الذي كان في الأمس القريب على عداوة شديدة مع روسيا، واليوم يُرسَل أبناؤه بالآلاف ليقاتلوا في حربها مع أوكرانيا -ومع الغرب إذا أردنا رسم صورة أعمّ، فيضفي على الحرب صبغة دينية، وكأن الإسلام جزء من المعركة!

كذلك، فهو يقول لكل مسلمي العالم: انظروا، أنا أقدّر القرآن كتابكم الأقدس والأسمى، على عكس الغرب الذي يساء فيه لهذا الرمز دون رقيبٍ أو حسيب، وكأني به على بُعد خطوتين فقط من أن يصير نجاشي الروس، ولا أستبعد ظهور إشاعات تقول إنه "مسلم بالسر"..

استخدمتُ هذا المثال لأنه واضح وحديث، والأمثلة المشابهة أكثر من أن تُحصى، والتي يوظَّف فيها الدين خدمةً للسياسة بمثل هذه الطريقة. لقد برّر شتراوس توظيف الدين في السياسة، وعدّه أداةً نافعة للوصول إلى نظام مثالي، وقد يظنّ البعض أن توظيف الدين بهذه الطريقة يتم فقط في الدول الدينية، لكن الحقيقة هي أن توظيف الدين والأسطورة أسلوب يتّبعه السياسيون؛ حتى في الأنظمة السياسية العلمانية كلما شعر السياسي أنه بحاجة لذلك، حتى ولو لم يكن هو نفسه متديّناً أو مؤمناً بتلك الأسطورة.

وعلى أي حال، فلا أريد أن يُفهم من كلامي هذا أن جميع الفلاسفة اتفقوا على تبرير الخداع، بل على العكس، نجد كُثُراً ممن رفضوه بصورة كاملة، ومنهم إيمانويل كانت الذي جعل الأخلاق أساساً لا يقبل المساومة للأفعال الإنسانية، ومنها السياسية، وأن على السياسي أن يتحلى بالصدق مهما كانت الظروف والعواقب، خوفاً من تحوّل ذلك الكذب إلى قانون متّبع في السياسة. إن موقف كانت هذا عرّضه للانتقاد من قِبَل الذين يرون أن الخداع والكذب وإخفاء الحقائق يأتي أحياناً تحت مبدأ أخلاقي أيضاً، وهو الحفاظ على أمن الدولة أو حماية الأشخاص.

لماذا نُخدع؟

يفترض المرء أن التقدم الحاصل في العالم من ناحية الوصول إلى المعلومة وارتفاع مستوى المعرفة والوعي البشري من شأنه أن يحجّم من مقدار وسهولة تعرّضنا للخداع السياسي، وبالنسبة للجميع، فإن الكذب والسياسة صنوان، وهذا أمر صار معروفاً ومألوفاً، فلماذا لا زلنا نُخدع حتى اليوم؟

يعتقد الكاتب الفرنسي إدموند دي غونكور أن "الناس لا تحبّ الحقيقي والبسيط، لكنها تحبّ الأساطير والخداع"، قد يكون هذا الكلام صحيحاً إلى حدٍّ بعيد، لا سيما حين نُسقطه على واقعنا العربي الذي سأتحدث عنه بخاصة تالياً. وعلى أي حال، فالبشر عموماً ينقسمون إلى فئتين: فئة تمتلك الوعي والمعرفة والخبرة لا يمكن خداعها إلا بصعوبة وهي الأقلية، والثانية ممن تسيّرها عواطفها أو انتماءاتها الضيقة وهي الأكثرية، وحين تكون الأكثرية هي من الأشخاص الأشدّ استقطاباً أو قابلية للخداع، فإن السياسي يستطيع، من خلال توجيههم، محاصرة القلة الواعية وإخافتهم وإضعاف تأثيرهم أو إلغاءه.

يقول المفكر الفرنسي غوستاف لوبون في كتاب سيكولوجيا الجماهير إن "حدود اللاشعور تحرك الجمهور، فيتلقى بطيبة خاطر كل الاقتراحات والأوامر، ولديه سرعة تصديق منقطعة النظير"، لكن ما لم يذكره لوبون هي الأسباب التي تجعل من الجماهير تصدّق بسرعة بهذا الشكل. وتشير الدراسات بهذا الخصوص إلى أنه لدى الناس ميل لقبول ما يقال لهم بالقيمة الظاهرية، أو التسليم بما يقال لهم دون وجود دافع للتحقق من صحته، إلى جانب أنَّ قدرة السياسيين على التخطيط لأكاذيبهم والتحضير لها تجعل اكتشافها أمراً من الصعوبة بمكان، كذلك، فإن انخفاض معرفة الجمهور بالقضايا السياسية يمنح السياسي فرصة أعلى لممارسة الخداع في أحيان كثيرة.

ومن ضمن عملية التخطيط للخداع السياسي للتلاعب بالآراء، يستخدم السياسيون ما تُسمى الانحيازات المعرفية، والتي تأتي بنتائج أوضح في البيئات والمجتمعات التي تعاني انخفاضاً في الوعي السياسي والمعرفي، ولا يبذل أفرادها جهداً كبيراً في تقصّي الحقائق عموماً، ويتعاملون بانفعالية وعاطفية مع الأحداث والتصريحات والأفعال السياسية من حولهم، إذ يميل معظم الأشخاص إلى البحث عن المعلومات التي تتوافق مع أفكارهم المسبقة وتؤكدها، ويرفضون ما يخالفها.

وهناك أشكال مختلفة من الانحياز الذي يسهّل الخداع، كأن تلجأ وسائل الاعلام التي تخدم جهة محددة إلى التركيز على جانب واحد من موضوع أو قضية ما، فتثير انتباه الناس إليها وتؤجج المشاعر، ويتم تشكيل المواقف بناءً على ذلك، أو تغطّي على جوانب أخرى، فتظهر الحقائق منقوصة ومجتزأة.

كذلك، لدى بعض الناس ميل فطري إلى تصديق كل ما يقوله ذوو النفوذ وأصحاب المناصب، وتقدير آرائهم ولو كانت منافية للحقيقة، في ما يُعرف بانحياز السلطة، والذي يدخل ضمنه ما يُعرف بتأثير الهالة أو تصديق الآخرين، والحكم عليهم بناءً على انطباعنا الخاص عنهم، ومدى جاذبيتهم وصفاتهم الجسدية، وغيرها من الانحيازات التي قد نقع تحت تأثيرها دون شعور أو إدراك، فيصير الموقف الذي اتخذناه بسبب خداع الآخرين لنا يبدو وكأنه موقف أصيل يجعلنا واثقين بأننا لم نُخدع أساساً!

بين الخداع في السياسة والخداع كـ "سياسة"..

من المؤسف القول إن التطبيع بين الخداع والسياسة يبلغ أعلى مستوياته عربياً، وإن الشعوب العربية لا تزال أكثر الشعوب عُرضة للخداع وتقبُّلاً له لأسباب متعددة ومتداخلة، وفي الوقت الذي تتعرض فيه جميع شعوب الأرض للخداع من قبل سياسيها في ظروف معينة وبنسب متفاوتة، تبعاً لأولئك السياسيين ووعي الجماهير وقوة إنفاذ القوانين والمساءلة في تلك البلدان، يبدو الحال في بعض البلدان العربية وكأنه بدل أن يلجأ السياسي إلى الخداع -مضطراً أحياناً- صار الخداع هو السياسة -الوحيدة تقريباً- التي يستخدمها الجميع في التعامل مع العرب.

كذلك، مارس بعض السياسيين العرب طوال عقود أنواعاً مختلفة من الخداع على المستويات الداخلية والخارجية، مستخدمين جميع الأساليب المتاحة؛ الدين والأسطورة والقومية وغيرها، ونتيجة ذلك، عاشت أجيال عربية كاملة ضحية الأوهام والوعود بإنجازات لم تُحقق، وانتصارات لم تكن في حقيقتها سوى هزائم مؤجلة، وحجج وأعذار لا تنتهي، وفوق كل ذلك، أحاطت تلك السلطات كذبها المستمر وخداعها بنظام من القمع وطمس الحريات وكمّ الأفواه والتجهيل، حرصاً على بقاء الشعوب تحت سيطرتها، بعيدة عن الحقائق التي تمسّ حياتها ومصيرها.

أما لماذا تبدو الشعوب العربية أكثر قابلية للخداع السياسي والخضوع له، فتتداخل الأسباب وتتعدد، إذ إن الانفعالية التي تتميز بها تلك الشعوب، والعاطفية التي تحكم قراراتهم وأحكامهم، تدعم تلك الخصلة بشكل كبير، فحتى اليوم، يجري اختيار المرشحين لمنصبٍ ما في معظم المناطق العربية على أساس طائفي أو مناطقي أو أي انتماء ضيّق آخر، وليس على أساس الكفاءة والنزاهة والعمل الجاد. فإذا سلّمنا بأن الانخداع السياسي ليس محصوراً بشعب معين، بل هو ظاهرة يمكن أن تؤثر على أي مجتمع بناءً على عدة عوامل مثل التعليم، الوعي السياسي، والثقافة الإعلامية، فقلة الوعي والمعرفة بالسياسة يمكن أن تجعل الأفراد أكثر عرضة للتضليل، كما قد تؤدي وسائل الإعلام غير الموضوعية أو المنحازة -كما ذكرنا سابقاً- دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام بما يخدم أجنداتها، أضف إلى ذلك أن سيادة الثقافة التقليدية في بعض المجتمعات قد تجعلها أكثر تقبُّلاً لما يقدَّم لها من أفكار دون نقد أو تحليل.

كل هذه العوامل تجتمع لدينا كعرب وكمسلمين أيضاً، إلى جانب ما حظينا به من تاريخ ممتد ومستمر من الحروب والصراعات، تاريخٌ جعلنا أكثر حساسية للشعارات القومية والدينية، وأكثر عرضة للخطابات التي تستهدف هذه المشاعر؛ كما قد يجعل الشعور بالمرارة والغضب تجاه قوى الاستعمار والاحتلال بعض العرب أكثر عرضة للخطابات الشعبوية التي تهاجم هذه القوى.

كذلك، لا يمكننا أن نُنكر ما لدى العرب من "غرور" إذا جاز التعبير، من ناحية أنهم يرون أن لديهم الحق ليكونوا محور اهتمام الجميع، فعندما يجيء أي سياسي أو دولة أو تنظيم ما ويقول إنه مهتم بمقدساتهم أو مُدافِع عن قضاياهم أو حامٍ لهم ولبلادهم، سيصدقونه دون تفكير، وهذا ما نشهده اليوم في عدة ملفات وأزمات عربية.

ويضاف إلى كل ذلك، الفساد العميق الذي تعانيه معظم البلدان العربية، وكثرة المحسوبيات، وضعف القوانين التي تجعل من محاسبة السياسي أمراً ممكناً. كل تلك العوامل وأخرى غيرها، أسهمت في تشكيل أجيال لامبالية فاقدة للأمل وغير مكترثة، صارت تتقبّل وجود هؤلاء السياسيين في مناصبهم كأمرٍ واقعٍ لا مفرّ منه، فطغت السلبية على العقل والفعل العربي، وتحوّل قول الحقيقة من أمرٍ طبيعي وبديهي إلى "عمل ثوري" على حد تعبير جورج أورويل، تُحجم عنه الأكثرية المخدوعة.

ولا بدّ هنا من التمييز بين من قدّم وعوداً صادقة لشعبه ولم يستطع تحقيقها نتيجة ظروف خارجية أو تاريخية كانت أقوى منه، وبين من استخدم الوعود لحصد جماهيرية وتحقيق أهداف شخصية ومنافع ذاتية ضيقة، فهناك العديد من القادة الوطنيين مرّوا على بلادنا وعملوا بجدٍّ من أجل تحقيق مصالح شعوبهم، لكنَّ ظروفاً خارجة عن طاقتهم حالت دون ذلك في بعض الأحيان.

ختاماً

يتمسك السياسيون بالتبريرات التي تُبيح لهم الكذب والخداع، ويعتقدون أن من حقهم فعل ذلك لأن مصلحة الشعب والدولة تقتضي، وأن الشعوب لن تتقبل الحقيقة أبداً كما هي، على أن ذلك لا يبرر بأي حال أن يتحول الكذب السياسي إلى آلية خداعية تمنح الأقلية السطوة والسلطة. فحتى أفلاطون نفسه، وحين منح الحكّام امتياز الكذب في "الجمهورية"، وضع ضوابط لذلك بأن يكون الكذب في "إطار التعامل مع الأعداء أو من أجل الصالح العام". ولا يفوتنا التذكير بأن الحكّام المؤهلين من وجهة نظره هم الفلاسفة وليسوا أشخاصاً انتهازيين أو من الذين حصلوا على السلطة عبر الوعود الزائفة أو الانتماءات الضيقة أو الترهيب..

لا يمكن أن تقوم دولة قوية وتبني مستقبلاً مشرقاً لأبنائها ومنظومة علاقات إيجابية ومثمرة مع بقية دول العالم حين يكون سياسيّوها مخادعين دائماً، فالخداع المستمر سيدمّر كيانها ويُضعف من استقرارها، ويصير كالآفة التي تُفسد جسدها من الداخل. ستستمر السياسة بالخداع والكذب، فهو الطريق الأسهل والأقل كلفة، لكن يقع على عاتق كل فرد منا أن يتسلح بالثقافة والوعي، وحسّ المسؤولية التي تجعله عصياً على الخداع وقادراً على تشكيل رأيه الخاص بعيداً عن العاطفة والانحياز، وعلى تمييز الحقيقة والدفاع عنها. فلنفكّر مرتين في كل ما يُقدّم لنا من أفكار على أساس أنها مسلّمات، ولنُعمل بها العقل، ونُخضعها للتفكير النقدي والبحث والتمحيص، فنكتشف الغثّ من السمين، ونوقِف كل المحاولات -وهي كثيرة- لخداع شعوبنا وأمتنا، وتقديمها وقوداً في حروب كارثية ليست حروبنا، ومعارك خاسرة لا تجرّ علينا إلا الويلات.