فارس خشان

في 26 كانون الثاني (يناير) المقبل، يقع هذا العام عيد "حانوكا" اليهودي، وقبله "يجب أن يكون قد عاد المبعدون من الشمال الى منازلهم"، وفق ما تؤكد تقارير إسرائيلية.

وبسبب تحديد هذا الموعد الذي له رمزيته الدينية والتاريخية لدى اليهود، يطلق الكثير من المسؤولين والسياسيين والأمنيين في إسرائيل عبارتهم الشهيرة: "حان موعد الشمال"!

رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفضل أن يحصل ذلك من خلال "البوابة الدبلوماسية". البيت الأبيض يتقاطع معه في هذا "التمني"، ولكن نتنياهو والبيت الأبيض يعرفان جيّداً أنّ ذلك يقتضي أن يتراجع "حزب الله" عن إقحام لبنان في "وحدة الجبهات"، وهذا شبه مستحيل لأنّ لا الحزب سوف يقبل بالإقرار بالهزيمة التي أثبتت نفسها، منذ أشهر عدة، حين ظهرت عدم قدرة "جبهة لبنان" عن خدمة "جبهة غزة" بشيء، ولا "الحرس الثوري الإيراني" العاجز، لأسباب داخلية واستراتيجية، عن شن "هجوم انتقامي" على إسرائيل بعد اغتيال رئيس حركة "حماس" إسماعيل هنية، سوف يقبل بتلاشي "وحدة الساحات" التي بذل جهده من أجل إرسائها.

وعلى رغم هذا "اليقين" لا يزال نتنياهو يمتنع عن إقفال الأبواب أمام "الحل الدبلوماسي" وإشراعها أمام "الحل العسكري"، طالما أنّ هذا الخيار لم يحظ بعد بمباركة البيت الأبيض الذي يهتم كثيراً بما يمكن أن يكون عليه رد الفعل الإيراني.

ولكنّ هذا "الامتناع" - وهو موقت - لا يعني سحب خيار الحرب الشاملة عن الطاولة. العكس هو الصحيح، فنتنياهو أجاز، في الأيام القليلة الماضية، للجيش الإسرائيلي الانتقال الى "المرحلة التحضيرية للحرب"، أي تمهيد الميدان وتحضير الجبهة الداخلية لذلك، في وقت أوعز للفرق الدبلوماسية التوصل مع المعنيين في البيت الأبيض، الى تصور نهائي لحل دبلوماسي، بحيث إذا أُخذ لبنان به تنتهي كل أنواع التوترات على الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية، ولكن في حال جرى رفضه تجري محاولة فرضه من خلال "الحرب الشاملة".

و"أوامر" نتنياهو هذه منسقة مع الجانب الأميركي، بحيث انتقل قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال مايكل إريك كوريلا الى إسرائيل، في زيارة خصصها للجبهة اللبنانية والتهديدات الإيرانية. كوريلا انتقل الى مقر الجبهة الشمالية حيث اطلع على مخططات "تمهيد الحرب" التي وضعها الجيش الإسرائيلي.

وبتفكيك اللغة العسكرية، يتضح أنّ المواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل انتقلت الى "مرحلة الغليان"، وهي الخط الأخير الفاصل عن الحرب الشاملة.

في هذه المرحلة، سوف يسعى الجيش الإسرائيلي، من خلال سلاح الطيران، إلى حراثة الممرات "الخطرة" على طول المناطق الفاصلة عن الجنوب اللبناني، بحيث لا تضرب مرابض المدفعية والأنفاق الصاروخية فحسب، بل تفجر ما يمكن أن يكون قد زرع فيها من ألغام ضخمة أيضاً.

وسوف تترافق "مرحلة الغليان" مع مساع دبلوماسية جديدة، بحيث يتلقى "حزب الله" من خلال القنوات المعتمدة "العرض الأخير" وركيزته الدائمة: سحب قواته وسلاحه الى ما وراء الضفة الشمالية لنهر الليطاني، بحيث يكون بعيداً بعمق عشرة كيلومترات عن الحدود!

ولكنّ "حزب الله" يقاوم هذا العرض، فهو بعدما مني بـ"هزيمة المساندة"، بحيث بدت "خطة المشاغلة" من دون أي نفع يُذكر لغزة، لن يقبل بـ"هزيمة الحدود".

بالنسبة إليه يمكن أن يغطي "هزيمة المساندة" بثوب كامل من "أوراق التوت"، ولكنّه لن يقوى على ذلك، في حال تمّ إرفاق تلك الهزيمة باضطراره الى الانسحاب الى ما وراء الضفة الشمالية لنهر الليطاني والتسليم بحرية تحرك الوحدات العاملة في اليونيفيل من دون تنسيق "غير مباشر" معه، عبر الجيش اللبناني.

ولذلك، فإنّ "حزب الله" لا يرفع فقط من وتيرة قصفه لشمال إسرائيل، بل يذهب أيضاً الى حدود التهديد باستعجال "الحرب الواسعة" من خلال قصف الأهداف المدنية، وفق ما فعل في نهاريا، أمس الأثنين، اذ اصطدمت مسيّرة مفخخة له بأحد أبنية هذه المدينة الشمالية.

وبهذا المعنى، إلّا في حال وردته أوامر مباشرة من إيران التي وسعت إطار تواصلها مع الولايات المتحدة الأميركية بعد حصول رئيسها الجديد مسعود بزشكيان على ضوء أخضر من المرشد علي خامنئي لاستقطاب استثمارات خارجية بقيمة مئة مليار دولار، فإنّ "حزب الله" يفضل الحرب على "الهزيمة الدبلوماسية".

على أيّ حال، كل المعطيات أصبحت واضحة: توقيت "الحل" أصبح على الطاولة. سبل الحل تتم بلورتها النهائية بين الحكومة الإسرائيلية والبيت الأبيض. الخيار الدبلوماسي لم يسقط، بل يستعمل العسكر لمصلحته. مواقف الأطراف المعنية بالحرب والسلم واضحة. وقدرات الطرفين المحاربين لم تعد موضع تخمين، فإسرائيل تعرف قدرات "حزب الله" و"حزب الله" لم يعد ينظر الى إسرائيل على أساس أنها "أوهن من بيت العنكبوت".