محمد خلفان الصوافي

غابت إلى حد كبير السياسة الخارجية في مناظرة المرشحين الاثنين للرئاسة الأمريكية، كامالا هاريس نائب الرئيس الأمريكي، والرئيس السابق دونالد ترامب، التي كانت فجر يوم الأربعاء الماضي والتي انتظرها العالم كل حسب اهتمامه، فالداخل الأمريكي له قضاياه وأولوياته: مثل الاقتصاد والتضخم وبالتالي طبيعي أن يهتم المرشح الرئاسي بهذا الأمر لأن هدفه في نهاية الأمر، كسب صوت الناخب. ولكن نحن في منطقة الشرق الأوسط لنا أولوياتنا أيضاً وهي: السياسة الخارجية للمرشح، خاصة في القضايا التقليدية التي تصب في استقرار المنطقة، والتي تعتمد على طبيعة إدارة الرئيس الأمريكي لسياسته فيها.

مجيء أياً من الاثنين (هاريس أو ترامب) سيترتب عليه تداعيات خاصة في الملفات العالمية. ففي حالة عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فإن له مواقفه تجاه ملفات محددة تشكل أهمية في مصير العلاقات الدولية سواءً الحرب الروسية-الأوكرانية أو حالة الثبات والتغير في حلف الناتو والأمن الأوروبي وحتى قانون الهجرة، وقد أعلنها مرة أخرى في المناظرة الأخيرة، على عكس كامالا هاريس في حالة فوزها فهي تعتبر امتداداً لسياسة الديمقراطيين منذ أيام باراك أوباما.

وإذا كان هدف «المناظرة» داخلياً مساعدة الناخبين المترددين من غير أعضاء الحزبين المتنافسين، الجمهوري أو الديمقراطي في اتخاذ قرار لدعم المرشح الأقرب إلى اهتماماته، فإنها كذلك فرصة لدوائر صنع القرار في عواصم العالم لإعداد الملفات وسيناريوهات التعامل مع إدارة الرئيس القادم مع أنه ليس شرطاً أن يلتزم الرئيس الأمريكي بما يعلنه قبل وصوله للرئاسة، إلا أنها تبقى مؤشرات تساعد على تحليل شخصية الرئيس القادم. أما مسألة التوفيق في صحة تحليل لوضع السيناريوهات تعتمد على قدرة الجهات المسؤولة في كل دولة على تفكيك خطابات المرشح وخبرتهم.

تقليدياً يعرف عن سياسة الجمهوريين أنها «تدخلية» بمعنى أنها تهتم بالسياسة الخارجية وهي تبني استراتيجيتها في أن حماية المصالح الأمريكية يعتمد على الاهتمام بالقضايا الدولية المرتبطة بشكل مباشر بالسياسة الأمريكية، لذا نجد أن الجمهوريين أكثر احتكاكاً بالقضايا الدولية وخاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. في حين أن الديمقراطيين يركزون على القضايا الداخلية منها: الأوضاع الاقتصادية وغيرها.

هاتان السياستان تغيرتا ولم تعد تعبران عن الفهم التقليدي للحزبين، حيث نجد أن الديمقراطيين باتوا يميلون إلى التدخل الخارجي، في حين أن الرئيس ترامب الجمهوري يركز أكثر على الأوضاع الداخلية، وعليه فإن غياب السياسة الخارجية بشكل لافت في المناظرة أمر يبدو واضحاً ومبرراً كذلك، وبالنسبة لي هناك مسألتان اثنتان تفسران هذا الغياب وهما:

المسألة الأولى: حالة التداخل بين القضايا الداخلية والخارجية فصار اهتمام الناخبين أو الشعوب هو الاهتمام بأوضاع المعيشة وصار اليمين المتطرف الذي يعتبر الرئيس ترامب واحداً منهم هو من يعبر عن تلك الاهتمامات، وبالتالي فإن الديمقراطية كإحدى القيم الغربية ليست أولويات بقدر ما أنها وسيلة لتحسين المستوى المعيشي، فدولة مثل الصين على سبيل المثال تعيش حالة من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي وتطبق الديمقراطية وفق ثقافتها المحلية وليس بالمعيار الغربي.

المسألة الثانية: أن الصراع الثقافي الذي كان بين المعسكر الشرقي والغربي في فترة الحرب الباردة انتقل لأن يكون صراعاً داخلياً في الولايات المتحدة وربما الغرب بأكمله، ولهذا نجد أن دونالد ترامب اتهم في المناظرة الأخيرة منافسته هاريس بأنها «اشتراكية».

رغم كل ما سبق، تبقى حالة الاهتمام العالمي للمناظرة الانتخابية ناتجة من الاقتناع بتأثير السياسة الأمريكية على الساحة العالمية، وأن هذا الاهتمام يتم حتى في ظل حالة الاعتقاد بتراجع النفوذ الأمريكي. وهذا ما يخالف الاعتقاد بأن التراجع ليس كما يعتقد أغلبنا، بقدر ما أنها تحولات في أولويات الاستراتيجية للسياسة الأمريكية في العالم.