سميح صعب

باغتيال الأمين العام لـ"حزب الله"، سعت إسرائيل إلى رسم خط بين مرحلتين: تلك التي سادت منذ بروز الحزب لاعباَ قوياَ على الساحتين اللبنانية والإقليمية، وتلك التي ستلي الاغتيال وما سينجم عنه من تداعيات.

تسلك إسرائيل منذ تفجير أجهزة "البيجرز" واللاسلكي واغتيال قادة "قوة الرضوان"، نهجاَ يتجاوز الشعار المرفوع عن "العودة الآمنة" لمستوطني الشمال، إلى توجيه ضربة قاصمة لأحد أقوى حلفاء إيران في المنطقة.

ولهذا لا يمكن فك الارتباط بين اغتيال نصرالله والرسالة الحازمة لإيران، مفادها أن إسرائيل قررت الذهاب إلى حدث مزلزل، من شأنه قلب الطاولة على طهران. ويصعب فهم هذه الضربة، خارج هذا السياق المتصل بإيران.

ويجب ألا يغيب عن البال، أن إسرائيل منذ إعلان حربها على غزة قبل نحو عام وهي تحاول استعادة عامل الردع، الذي تآكل بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ولم تتحرك إلى تسخين الجبهة الشمالية إلا بعدما أنجزت احتلال محور فيلادلفيا بين غزة ومصر، بينما كانت تعد للمواجهة الشاملة مع "حزب الله" ومن خلفه إيران قبل ذلك بسنوات.

طوال 18 وإسرائيل تركز كل جهدها الإستخباراتي بالدرجة الأولى على "حزب الله"، ولم تعر حتى لحظة 7 تشرين الأول كبير اهتمام لجبهة غزة. والدليل على ذلك، هو أن الضربات المتتالية للحزب كانت تتجه في خط بياني من عمليات الاستهداف لقادة المناطق والمحاور، وصولاَ إلى اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر في 30 تموز (يوليو)، إلى تفجير أجهزة "البيجرز" واللاسلكي، التي شكلت نقطة فاصلة في تاريخ المواجهة بين الحزب وإسرائيل، التي بدأت عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

في الأشهر الأخيرة، كانت كل ضربة يتلقاها "حزب الله"، تؤسس لضربة أكبر، إلى أن كان الاستهداف الأكبر من نوعه منذ عقود، عندما قصفت مقاتلات من طراز "إف-35" مقر الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت مساء الجمعة.

وتقتضي الواقعية الاعتراف بأن الحزب بعد اغتيال أمينه العام وسلسلة الضربات التي سبقت ذلك، قد تعرض لوضع غير مسبوق منذ تأسيسه. مرحلة ربما تتجاوز أكثر بكثير مرحلة اغتيال إسرائيل الأمين العام السابق عباس الموسوي عام 1992. عامذاك، لم يكن الحزب يتمتع بهذه القوة، ولم يكن لاعباَ إقليمياَ ذا امتدادات نحو سوريا والعراق واليمن. مثلاَ، كان للحزب دور أساسي في تقرير وجهة الأحداث في سوريا عقب 2011. وهو دور أثار جدلاَ في لبنان والمنطقة، وجعل بعض الأطراف التي كانت مؤيدة له عقب حرب 2006 تنقلب ضده.

واعتمدت إيران على "حزب الله" في توسيع نفوذها في المنطقة. وكانت تسري في الغرب سرديات عن أن الحزب هو الذي يردع إسرائيل عن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية للمنشآت النووية الإيرانية، وبأن ترسانة الحزب من الصواريخ الدقيقة لن يستخدمها الحزب إلا إذا تعرضت إيران لضربة تطاول مفاعلاتها أو بناها التحتية.

منذ بدء إسرائيل حربها على غزة، سارع "حزب الله" إلى فتح "جبهة الإسناد"، من دون الوصول إلى الحرب الشاملة التي لا يريدها الحزب ولا طهران. وهذه "الجبهة" التي شكلت قلقاَ لحكومة بنيامين نتنياهو نتيجة نزوح 60 ألفاَ من مستوطني الشمال، قررت إسرائيل التعامل معها في الأسابيع الأخيرة، في ضوء تراجع العمليات العسكرية الكبرى في القطاع، فكان التصعيد التدريجي.

ووسعت إسرائيل أهداف الحرب التي بدأتها في غزة، لتشمل إعادة مستوطني الشمال وفك الارتباط بين الجبهتين الشمالية والجنوبية. بيد أن نتنياهو لا شك أنه زاد أهدافاَ أخرى وهي إضعاف "حزب الله" وهز الموقع الإقليمي لإيران، التي تبدي انفتاحاَ متزايداَ على الغرب. تدخل نتنياهو عبر حربي غزة ولبنان ليحجز مكاناَ متصدراَ في الخريطة الجديدة للشرق الأوسط، التي تنتظر نتائج الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني (نوفمبر)، كي تتجسد واقعاَ على الأرض.