تُنبئ الهجمات الإسرائيلية التدميرية التي توسعت إلى مناطق عدة في لبنان، بأن إسرائيل ماضية في حربها ضد "حزب الله" بهدف القضاء عليه وفق ما يُعلن بنيامين نتنياهو، وإقامة منطقة أمنية عازلة في الجنوب. ولذلك تستهدف قوات الاحتلال بيئة الحزب ودفع السكان إلى النزوح وفرض أمر واقع يُسقط القرار 1701. وفي المقابل يتمسك لبنان بالقرار الدولي ويدعو إلى وقف إطلاق النار من دون أن تظهر مؤشرات على إمكان تطبيقه في الوقت الراهن في ظل الدعم الأميركي للعملية الإسرائيلية، وذلك على الرغم من إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن واشنطن تفضّل الحل الديبلوماسي لإنهاء الصراع. تركز إسرائيل في الجنوب اللبناني على تدمير القرى الحدودية وجعلها أرضاً محروقة، وهي منذ أن أعلنت البدء بعمليتها البرية قبل نحو عشرة أيام، بقيت ضمن دائرة عمليات الكوماندوس والاختراقات المحدودة في مقابل قتال شرس من "حزب الله". وحتى الآن لم تتحول الحرب البرية إلى معركة شاملة أو محاولات التقدم بالدبابات، ما يشير الى تكتيك عسكري إسرائيلي مختلف لفرض حزام أمني ناري على الحدود وإفراغ المناطق ما بعد الليطاني وصولاً إلى صيدا، بهدف الضغط على "حزب الله" وإفقاده عناصر قوته في ساحته الجنوبية وفي البقاع. تطورات الحرب في الميدان والغارات التي استهدفت بيروت وقبلها الضاحية الجنوبية والبقاع والشمال، تشير الى أن إسرائيل تجاوزت البحث في القرار 1701، عبر الضغط على قوات اليونيفيل، وهي تسعى الى واقع جديد يؤسس لقرار دولي معدل أو مغاير، ويستند إلى ما كرسته جنوباً وما حققته من ضربات لـ"حزب الله" باغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله وعدد كبير من قياداته، وهي ضربات أثرت كثيراً على بنية الحزب، تضاف إليها محاولة اغتيال مسؤول الارتباط والتنسيق وفيق صفا. لكن يتبيّن من خلال القتال ثبات بنية الحزب القتالية في المواجهة وذلك بعدما عملت إيران مباشرة على إعادة ترتيب أوضاعه، رغم أنها ترتيبات موقتة لا تعوّض قيادة الحزب ما قبل الاغتيالات. الأمر الثاني المهم هو أن إسرائيل تهدف في غاراتها الى ضرب قدرات الحزب القتالية وصواريخه ومخازنه العسكرية، ولذا هي تتأنى في هجومها البري الواسع لاستكشاف مكامن قوته وتفكيكها، وبالتالي إطالة أمد الحرب. الوقائع تشير إلى أن إسرائيل انتقلت الى مرحلة جديدة من التصعيد، وهي تراهن على الوقت عبر الضغط المستمر، تماماً كما فعلت في غزة، بإصرارها على مواصلة العمليات ورفضها الهدنة. وثمة مخاوف من أن تنتقل إلى تنفيذ اغتيالات إضافية لشخصيات سياسية أيضاً من الحزب، بالتوازي مع تصعيد هجومها البري لتثبيت نقاط معينة في الشريط تشكل انطلاقاً لتوسيع حربها. حتى الآن لا يمكن التكهن بما سينتج عن الاتصالات التي تلقاها رئيس مجلس النواب نبيه بري المفوّض من "حزب الله" في حدود السقف الإيراني، من بلينكن والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ يصر الأميركيون على استمرار فتح القنوات مع بري. ووفق ما ينقل مصدر ديبلوماسي إن واشنطن تضع معادلات لا تخرج عن دعمها لإسرائيل لكنها منفتحة على التوصّل الى تفاهمات. ويؤكد المصدر أن الأميركيين أبلغوا إسرائيل رفضهم ضرب مدينة بيروت. لكن الأساس في الموقف الأميركي هو أن تبقى الحرب محصورة ضد "حزب الله" وفي المناطق التي تُعدّ ساحاته، تخوفاً من تفلت الأمور بالتوازي مع ضبط الرد الإسرائيلي على إيران، ولمنع الانزلاق إلى حرب إقليمية. ويعني ذلك أن الولايات المتحدة تريد استمرار التواصل مع بري كمفاوض نظراً إلى دوره في الساحة الشيعية، علماً بأن بري الذي يحمل ملفات مثقلة لا يخرج عن تحالفه مع "حزب الله" لكنه يسعى الى وقف لإطلاق النار، علماً بأن البيان الثلاثي الأول مع الرئيس نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط رفضته إيران عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي وكذلك رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف. ورغم الحراك الديبلوماسي لا يبدو أن هناك توجهاً إلى وقف إطلاق النار، حتى لو أعلن الأميركيون أنهم يريدون تطبيق القرار 1701، ومنع توسع الحرب. فواشنطن تعطي إسرائيل الوقت الكافي للضغط على "حزب الله" وغير مستعجلة، بل تسعى لضبط نطاق الحرب وميدانها، فيما "حزب الله" ليس في وارد وقف حرب المساندة، وهذا قرار إيراني. أما تطبيق القرار 1701، فأصبح وراءنا أو في المجهول. Twitter: @ihaidar62