تعلمنا من تجارب الحياة أن التقدم لا يمكن أن يتحقق بغير الأخذ بأساليب العلم. كما أن الإنتاج والإبداع لا يمكن تحقيقهما إلا بالحرية، وعلى المعنيين بالأمر الإقرار بأنها فشلت في الحالتين لرغبتها في إرضاء التيارات الدينية السياسية، وهذا ما يشغل بال واهتمام الحكومة، كما يبدو، وهو الاتجاه نفسه المستمر منذ أكثر من نصف قرن. فقد كان الجلساء وحافظو الاسرار غالبا من هذا الحزب الديني أو الآخر.
لم يشكل الاتجاه أو الفكرُ اللّيبرالي يوما أي تهديد للتيارات الأخرى المخالفة له، وكان ذلك منذ البدايات الأولى للديموقراطية، ووصل الوضع، أخيرا، أن أصبح حتى كتاب وممثلو أكثر التيارات السياسية يساريّة، يدعون للتصالح مع الإخوان!
لقد سعت مختلف حكوماتنا للتحالف ودعم التيارات التقليدية والدينية، والنتيجة ماثلة أمامنا، من ترد تعليمي وأخلاقي واقتصادي واضح. وربما آن الأوان لأن تفكر الحكومة في تجربة التحالف مع تيارات ليبرالية معروفة، وذات خلفية تعليمية عالية، وتتمتع بخبرات إدارية جيدة، لكي تنتشل الاقتصاد من الحفرة، وتعيد للتعليم دوره الطليعي الحقيقي، وتشرع أبواب الحريات وتعطي أهمية أكبر للفنون والآداب والثقافة والقضايا الفكرية، مع الانفتاح على العالم أجمع، فواضح أن لا أمل لنا إلا في الحداثة!
* * *
يتساءل د.خالد منتصر: لماذا يستخدم البعض اللثام عند ارتكاب جريمته، هل لأنه زي يخفي الهوية؟ أم لأن تنفيذ الجريمة يتطلب استخدام قطعة قماش للتخفي. الموضوع لا يتعلق بقطعة قماش، تغطي الوجه، لأن صاحبها أراد ذلك، بل لكونه يمثل خطرا أمنيا ووسيلة للتمويه، وحتما ليست حرية شخصية. فهل رفض وضع الصورة على رخصة القيادة أو جواز السفر حرية شخصية؟ وماذا لو طلب موظف أمن أو ضابط جوازات الدخول والخروج في المطار من امرأة كشف وجهها، فهل سترفض بحجة الحرية الشخصية؟ وهل حمل السلاح حرية شخصية؟ وهل إزالة اللافتات وعناوين الشوارع التي تسد الأماكن حرية شخصية؟ ولو ارتدى كل رجال ونساء المجتمع الحجاب، هل يستطيع مجتمع كهذا أن يستمر في وسط العالم؟ وهل من الممكن أن نعيش في مجتمع أفراده مقنعون؟ وهل الرقابة الاجتماعية والأمنية والشخصية أسهل في مجتمع منفتح أم مجتمع مراقب؟ أليس من حق أي فرد في المجتمع التأكد من هوية من يقابل أو يتعامل معه، أو يتحدث إليه... الخ؟
ماذا عن حقيقة شخصية مدرسة أبنائي، هل هي رجل أم امرأة؟ وماذا عن التي تقوم بتقديم العلاج لي أو لزوجتي، هل حقا هي طبيبة وامرأة؟
من حقنا جميعا العيش وسط مجتمع واضح الهوية، ولا نجبر فيه على طرح عشرات الأسئلة كلما أجبرنا على التعامل مع من اختار، وغالبا قسرا، تغطية وجهه واخفاء هويته عنا.
أحمد الصراف
التعليقات