نعم لدينا مشكلة، فهناك من لا يريدنا ألا نتعلّم بطريقة عصرية، بل يريدنا أن نتعلّم على طريقته، بالرغم من أن الزمن أثبت أنها غير مجدية ومتخلّفة جداً، ونتائجها السيئة ماثلة أمامنا، فقد بلغنا أسفل الدرك في مستوى التعليم، خليجياً وإقليمياً، دع عنك عالمياً.
كانت الكويت، وقبل أكثر من مئة عام، رائدة التعليم النظامي، والأولى في تعليم الإنكليزية، وحتى الفرنسية، التي درستها في المدرسة التجارية لثلاث سنوات. كما كانت سباقة في تعليم مختلف المواد الدراسية العصرية، في مختلف مدارسها، لكنها تراجعت مع وصول القوى الحزبية الدينية إلى المناصب الحكومية، وتخريبها لكل المناهج، من دون استثناء.
* * *
بدأت محاولات الدولة لانتشال التعليم من الخراب قبل ستين عاماً، بخراب أكبر مع تأسيس معهد المعلمين، الذي كان وبالاً على التعليم بمحاولة «تكويته» أو توطينه بطريقة مضحكة، وبإدارة إخوانية بامتياز، ثم أتت فكرة الاستعانة بتجربة سنغافورة مع التعليم، وبعد سنوات طوال، جاء وزير تربية، من محبي الإخوان، ووأدها. وجرت محاولات عدة، قبل أن يتم الاتفاق، قبل ثلاث سنوات تقريباً، مع البنك الدولي، لتطوير التعليم، وهنا أيضاً نجحت قوى التخلّف في القضاء على التجربة، بالرغم من أن الوزارة قطعت فيها أشواطاً، ووصلت إلى مراحل جيدة، وكادت تطبّق أفكارها الأولى، لكن «الوزير»، الإخوانجي، السابق أو المتستر، وأدها أيضاً، وخلال ساعات تم وقف المشروع، ورمي كل توصيات الفريق العالمي في سلة القمامة، حيث سبق أن انتهت ملفات ما سبقتها من دراسات.
تبيّن تالياً أن السبب وراء وأد كل تلك التجارب تعلّق غالبا بنقطة واحدة، حيث إن كل توصيات الدراسات صبت في ضرورة تخفيف أو تنظيم أو ترشيق الزخم الديني في المناهج، فلا يعقل أن تكون ساعات تدريس المواد الدينية، أو المتأثرة مباشرة بها، أعلى من ساعات تدريس غيرها من مواضيع حيوية أكثر أهمية، ويصعب تعلمها خارج المدرسة، بعكس المواد الدينية.
من الواضح أن التعليم في الكويت «سماري»، كقارب في وسط بحر، تتقاذفه الأمواج من كل صوب، لا شراع له ولا قبطان، ويتغيّر اتجاهه مع كل موجة قوية. فلا جهة بالفعل تعلم ما هي سياسة الوزارة، والأنكى من ذلك أن لا جهة تكترث بوضع التعليم المأساوي ولا هدفه، وهل نستمر على نهج «مع حمد قلم»، أو ننفتح على العالم لنلحق بكل ثوراته التعليمية؟ ولا أعتقد أن جهة لديها الرد على هذه التساؤلات، فيبدو أن هدف التعليم في الكويت لا يتعلق بخلق مواطن صالح وصاحب خلق، ومنسجم مع التطورات العلمية والاجتماعية المتلاحقة في العالم، بل الهدف هو تحضيره لدخول الجنة؟
أحمد الصراف
التعليقات