ميسون الدخيل

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض ومستهجن وساخر وباك يستنجد! لماذا؟ من أجل بعض المشجعين لناد مسالم، والذين ذهبوا إلى أمستردام يحملون أغصان الزيتون بكل محبة، ينشدون أهازيج بريئة، لا وبل كانوا يقدمون كل الاحترام والتقدير الذي ظهر جليًا في سلوكياتهم، ماذا حدث لهم؟ لقد تعرضوا للضرب والاعتداءات المهينة لمجرد أنهم «يهود»!

أقيمت مباراة ما بين نادي «أياكس أمستردام» ونادي «مكابي تل أبيب»، الذي حدث أنه في بداية المباراة تم الوقوف دقيقة صمت على أرواح من لقوا حتفهم في الفيضانات في إسبانيا، رفض مشجعو النادي الصهيوني إظهار الاحترام وحاولوا كسر حاجز الصمت بتصرف مخجل وغير لائق، وخسروا المباراة 5/0 لصالح نادي «أياكس».

النقطة التي لم تصل لمتابعي الإعلام الرسمي الغربي هي أنه قبل المباراة، أعلنت صحيفة «جيروزاليم بوست» بين السطور أن الموساد انضم إلى مشجعي النادي الصهيوني في أمستردام! ما الهدف؟! أليس كما هو الحال دائما لنشر الفتنة للوصول إلى مرادهم! والذي حدث تمامًا أنه تم الاستفزاز، والهجوم على المواطنين العاديين وسائقي سيارات الأجرة، وبعد ردة الفعل المنتظرة، تم سحب ورقة «لعبة الضحية»، وذلك بهدف كسب التعاطف مع الصهاينة الذين ذبحوا الأطفال في غزة بوحشية لمدة عام كامل أمام كاميرات العالم وسمعه!

وبعد خروجهم من الملعب بالخسارة المخجلة، بدؤوا يرددون شعارات فاحشة تندد بالعرب وتحث على الاعتداء عليهم، وشعارات تحتفل بالإبادة الجماعية ومذبحة الأطفال في غزة مثل «لا توجد مدارس في غزة لأنه لم يبق أطفال»! ثم بدأ هؤلاء الهمج بالتصرف بشكل جامح ومهاجمة المواطنين من أصل عربي، والمارة، وسائقي سيارات الأجرة، وما إلى ذلك، كما بدأت أيضًا أعمال تخريب الحانات العربية، والهجمات على الأشياء الخاصة التي تُعرض عليها الرموز الفلسطينية. بعد كل هذا الاستفزاز، لم يستطع الشباب الهولندي من المهاجرين من الجيل الثاني والثالث من العرب التحكم بأعصابهم، حيث نظمت مجموعة منهم صفوفها والهجوم على المشجعين الصهاينة وأشبعوهم ضربًا.

وللتأكيد هذا جاء بعد الاستفزاز وليس قبله كما فعل الكيان المحتل، في تبييت النية كما أوضحت صحيفتهم، ولو بين السطور، كانت من قبلهم! ثم فجأة، سحبت بطاقة «دور الضحية» وبدأت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني القوي في نشر الدعاية، وانضمت على الفور وسائل الإعلام الرسمية إلى هذا العمل الضخم، والعديد من المؤثرين الذين يطلقون على أنفسهم اسم «المحافظين» والذين يتقاضون رواتبهم من اللوبي الصهيوني، إضافة إلى العديد من السياسيين الليبراليين والمحافظين أيضًا، ووصف هذا الضرب بأنه مذبحة ضد اليهود، لا وبل محرقة وما شابه ذلك من الافتراءات، وانضم على الفور إلى الجوقة السياسيون داخل الكيان المحتل وكل أوروبا، الذين أظهروا الخضوع لإسرائيل عدة مرات في الماضي، إلى دعاية «الإيذاء اليهودي».

لكن من المثير للدهشة أن الصحيفة البريطانية «الديلي ميل»، والتي لديها وجهات نظر مؤيدة تمامًا للكيان الصهيوني المحتل، قررت عدم الانضمام إلى الدعاية وكتابة الحقيقة، بينما نشرت «سكاي نيوز» تقريرا موضوعيا في بادئ الأمر، ثم سحبته وقدمت توضيحا من قبل المحرر الرئيس للقناة، والتي بالمناسبة هي صهيونية كما تظهر صفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر تقرير مفبرك يظهر عكس ما حدث جاعلًا ما حدث للصهاينة على أنه أمر مبيت ولأنهم يهود!

وتعرضت القناة لهجوم من قبل المتابعين الذين حفظوا التقرير الأول وأعادوا نشره لتبيان الانحياز وعدم المهنية، فماذا فعلت القناة؟ حذفت التقرير الثاني، وحذفت التبرير، ووضعت ثالثا وإلى كتابة هذه السطور ما زالت القناة في تخبط! غضب الجنود الصهاينة المتورطون حاليًا في أعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة، وبدؤوا على الفور نشر مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي عن جرائمهم هناك، مع ذكر أمستردام؛ أي سوف نصب جام غضبنا على الغزاويين!

هذا طبعهم، هل سيشترونه؟! في مواجهة العُزل ضباع وفي مواجهة الرجال فئران! فعلًا من تابع المقاطع التي نشرت يظهر له تمامًا مدى جبنهم وذلهم، هذا عدا عن التضليل واستخدام المقاطع التي تدينهم على أنها كانت ضدهم، بينما تظهر حقيقة أنهم هم من بدأ التعدي، فمثلًا قاموا بضرب رجل هولندي ثم نشر على أنه منهم، وأصدروا مقطع فيديو يحرف مرة أخرى الحقائق القائلة بأن الصهاينة هم الذين تعرضوا للضرب، بينما هم من كان يقوم بذلك، وكشفت المرأة الهولندية التي صورت ذلك المقطع أكاذيبهم، كما كشف الأمر ذاته تقرير لشاب هولندي في السابعة عشرة من عمره، كان قد نزل في ذلك اليوم ليرصد الأحداث ويسجلها لمتابعيه، ووصل تقريره للترند، لقد أظهر هذا الفتى مهنية وشجاعة جعلت من باقي وسائل الإعلام الرسمية تبدو وكأنها ومراسليها مجرد أرجوزات تحركها خيوط خفية.

برأيي لم يحصلوا على ما يستحقونه لأن ما يستحقونه ليس «علقة ساخنة» لبعض من أذيالهم، ما يستحقونه هو محاكمات نورنبيرج لرؤوس الأفاعي هناك. الناتج أنهم حصلوا على ما يريدون؛ استفزاز وردة فعل ومن ثم تحوير وفبركة، كي يصبح بوسعهم ذرف دموع التماسيح على محرقة جديدة في أوروبا، بمعنى أن يعيدوا ما خسروه من السردية والمظلومية التي عملوا على زرعها في الوجدان الغربي لعقود، ومن خلال إعادة صورة «المحرفة» إلى الأذهان، يحرضون الشعوب الغربية على مهاجمة وطرد جيرانهم المسلمين والعرب وذوي البشرة السمراء، والأهم على مساعدة «إسرائيل» المسكينة التي تتوسط بحرا من الأعداء على فعل الشيء نفسه؛ بمعنى الاستمرار في الإبادة والتهجير والتدمير، وبطريقهم احتلال مناطق وأراضٍ جديدة! والدليل أنه على الرغم من مناقضة الشرطة الهولندية لروايتهم والمقاطع التي أظهرت ما قاموا به من تخريب واعتداء واستفزاز، فإن السياسيين ووسائل الإعلام الغربية، الذين يعرفون تمامًا حقيقة ما حدث، ما زالوا مستمرين في نشر أكاذيبهم وتقديم الدعم اللا محدود! الصهيونية ليست سوى الجرثومة التي سوف تنخر في بلادهم إلى أن تدمرها... وهم صاغرون!