خالد بن حمد المالك

يُسجَّل للمملكة أنها في كل الأزمنة دائماً ما تكون صمام أمان، تطفئ الحروب، وتحد من الصراعات، وتدفن الخلافات، من خلال أدوارها الفاعلة، ومبادراتها المؤثِّرة، وقبولها من أطراف النزاعات بوصفها الوسيط النزيه والعادل والحكيم في نزع فتيل الخلافات.

* *

وقدر المملكة أن تجد نفسها معنية ببذل الجهد للحيلولة دون أي تصعيد في الخلافات والصراعات والحروب بين الدول، وهو قدر مقدَّر، وسياسة محترمة، ودور يُثمَّن للمملكة بامتياز، وهي التي لم تتخل ذات يوم عن مسؤولياتها، أو تقاعست عن ترجمة ثقة الدول بها إلى أعمال وإنجازات تقابل بالتقدير من الآخرين.

* *

لا أقول هذا عن عاطفة، ولا يأتي من انتمائي لهذا الوطن، وليس لأني أجد نفسي مشدوداً بما يجب أن أفاخر به عن توجهات المملكة، وحرصها على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في كل دول العالم، وإنما هو انطباع حقيقي وصادق لما أراه ويراه غيري عن هذا التميّز لمواقف المملكة على امتداد تاريخها.

* *

أقول هذا، وفي المملكة تم أمس عقد المؤتمر الثاني على التوالي على مستوى قادة الدول العربية والإسلامية في مدينة الرياض، بدعوة من الملك سلمان ومتابعة من ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، لإيقاف الحرب المتوحشة التي تقوم بها إسرائيل في كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان، وهو اجتماع ما كان ليتم بهذا المستوى من التمثيل، وبهذا العدد من المشاركين، لولا أن المملكة هي من تبنت الدعوة إليه، واستضافته.

* *

هناك أكثر من ملياري عربي ومسلم، اصطفوا بالرياض ممثلين بقاداتهم، من أجل فلسطين ولبنان، والسلام في المنطقة والعالم، يجمعهم الهدف الواحد، والرؤية المشتركة، والشعور بالصدمة أمام ما تقوم به إسرائيل من جرائم لا سابق لها بهذا العنف في التاريخ، مدعومة من أمريكا والغرب، بالسلاح والمال، والدعم السياسي.

* *

انتهت اجتماعات القمة العربية الإسلامية، وكانت ناجحة بكل المقاييس، من حيث التمثيل، والمشاركة، والقرارات التي تم الاتفاق عليها، ومن حيث تثمين دعوة المملكة لها، واستلهام الرأي، والمشورة، وأخذ الحكمة، وحسن التصرف، من الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بما وحَّد كلمة الجميع، وجعل الحضور المشاركين على قلب رجل واحد، وكلمة واحدة.

* *

ويأتي دور أمريكا والغرب، ومجلس الأمن، في استثمار نتائج هذه القمة، والتوصيات التي تم التوصل لها، في إنهاء حرب الإبادة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، والتحرّك بصدق في تحقيق وتنفيذ خيار الدولتين، لأنه بدون تحقيق ذلك لا أمل في تحقيق السلام العادل، حتى وإن كانت إسرائيل قد فعلت كل هذه الأفعال الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني واللبناني مباهية بانتصارها، فالحقوق المشروعة تبقى مسؤولية تاريخية يتوارثها دون تفريط الخلف عن السلف، مهما تقادم زمنها، وقتل من قتل من المدافعين عن حقوقهم.