جمال الكشكي

العالم بات على موعد جديد مع ساكن البيت الأبيض. الرئيس السابع والأربعون قادم بجدول أعمال ربما يكون مختلفاً ونوعياً قد يتصادم أو يتصادق مع مصالح البعض سواء كانوا خصوماً أم حلفاء.عناوين السنوات الأربع المقبلة يمكن قراءة ملامحها من توجهات ومواقف الفريق المعاون.

لا شك أن هناك حالة ترقب وحذر وحيرة وارتباك تحيط بخرائط العالم. سمع العالم تصريحات من ترامب المرشح، لكنه يحبس أنفاسه لأفعال ترامب الرئيس، الحسابات ازدادت تعقيداً وارتباكاً.

خصومه سارعوا بتغيير الاتجاه والبوصلة من ضد إلى مع، وكان لافتاً للنظر حذف بعض السياسيين المعارضين لترامب تصريحاتهم من على منصة إكس «تويتر سابقاً»، كما فعل «كيفين رود» السفير الأسترالي في أمريكا، وفعل غيره من الخصوم الأشداء عبر المحيط في أوروبا، فكل تحسس تصريحاته السابقة.

يبدو أنهم لم يكونوا يتوقعون عودة ترامب، لكنه عاد ولديه صندوق خاص به، صندوق لا يشبه صناديق الرؤساء الأمريكيين السابقين، ولا المؤسسات الأمريكية العتيقة، صندوق مليء بالملفات غير المتشابهة وغير المتوقعة، وقد تُحدث مزيداً من الاستقرار، وقد تُحدث مزيداً من الفوضى والارتباك في عالم هش بوضعه الحالي.

ثمة أسئلة: ما عناوين الملفات التي يتضمنها صندوق ترامب؟ وهل ستأتي على هوى بروكسل وموسكو وبكين؟ وماذا عن الشرق الأوسط؟ وكيف يستعد حلفاء الأطلسي لمفاجآت الصندوق الترامبي؟ وهل الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى الاعتماد على ذاته بعيداً عن المظلة الأمريكية؟

علامات استفهام عديدة يتداولها الساسة وأصحاب القرارات في أروقة السلطة والحكومات، كل يبني حسابات وفق توقيعات ترامب الجديد.

الشاهد، أن هناك تخوفات لدى الخصوم، وآمالاً لدى الحلفاء، فنحن أمام رئيس جمهوري يحظى بأغلبية مطلقة، حيث حصل على 312 صوتاً في المجمع الانتخابي، وحصل على التصويت الشعبي بالكامل، وحظي حزبه الجمهوري بأغلبية في مجلس الشيوخ، وبأغلبية إلى حد ما في مجلس النواب، إضافة إلى أغلبية في حكام الولايات، وحاز على أصوات كل أنواع الولايات، سواء المتأرجحة، أم ولايات الشمس أم ولايات الصدأ، أم ولايات الجدار الأزرق، وهي حالة نادرة تجعله أقوى رئيس أمريكي منذ جورج واشنطن الذي انتخب عام 1789. في بروكسل، يقبض الاتحاد الأوروبي على الجمر، منتظراً في قلق وتوتر المسار والمصير مع ترامب.

ولم لا، فالرئيس الأمريكي الجديد، لديه رؤية سياسية واقتصادية في العلاقة عبر المحيط بين بلاده وأوروبا، فعلى الصعيد السياسي يرى أنه على أوروبا أن تحمي مقدراتها الوجودية بنفسها من دون غطاء أمريكي مستمر، فهو ينظر إلى الميزانية الأمريكية من جانب صناعة السلاح، على أنها خصم من رفاهية أمريكا، بينما لا تخصص أوروبا نفس الميزانية للسلاح، وتخصص المال للصناعات المدنية الأوروبية التي تصدرها إلى العالم، وتعتمد على أمريكا في الحماية، وهو أمر أشار إليه ترامب مراراً وتكراراً في مسألة اعتماد حلف الناتو على الميزانية الأمريكية وحدها دون دفع الحصص الأوروبية.

المعروف أن أمريكا تدفع 72% من ميزانية «الناتو»، بينما تدفع أوروبا 28% فقط، موزعة على ثلاثين دولة، واعتبر ترامب ذلك تكلفة على الميزانية الأمريكية، وخصماً من رفاهية شعبه.

أما على الصعيد الاقتصادي، فإن ترامب ينظر إلى السلع والمنتجات الأوروبية على أنها منافسة شرسة للسلع والمنتجات الأمريكية، ويطالب بفرض جمارك وضرائب على السلع الواردة من أوروبا، وهو أمر يضر بالاقتصاد الأوروبي، ويراه الساسة هناك، بأنه تخل عن شراكة الحلفاء عبر المحيط، الأمر الذي دفع الأوروبيين إلى حوارات عميقة لدراسة كيفية التعامل مع المستجدات الترامبية.

أما موسكو، فتنظر إلى وعود ترامب بإنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، والأخذ في الاعتبار المخاوف الروسية من انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وكان ترامب قد صرح بأنه يرفض انضمام كييف للحلف، وعمل على طمأنة روسيا من حيث حماية مصالحها الاستراتيجية، وينتظر الكرملين - كما جاء على لسان المتحدث باسمه «ديمتري بيكسوف» - رؤية ترامب حول الحل في روسيا، مع الوضع في الاعتبار الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الروسية المعلنة.

لم تبتعد حسابات بكين كثيراً عن هؤلاء الذين ينتظرون صندوق ترامب، فبكين لها تجربة سابقة أثناء الولاية الأولى لترامب، واستطاعت العبور على التعقيدات والمشكلات التي كانت بين الطرفين، ومن ثم فلن تكون لديها مخاوف من الولاية الثانية لترامب.

يأتي في نفس السياق موقف ترامب من الشرق الأوسط، فهو قد وعد بإيقاف الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، وطالب نتنياهو بعدم ارتكاب أحداث كبيرة قبل تنصيبه في العشرين من يناير عام 2025. إن العالم أجمع يحبس أنفاسه انتظاراً لساعة دوران المفتاح لصندوق ترامب.