نشر الصديق والزميل حمزة عليان مقالاً في جريدة الجريدة، تعلّق موضوعه بالحفل السنوي، الذي تقيمه جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، سنوياً، وبالذات فقرة تكريم قدامى الوافدين، وكيف أن حفلها أعاد لذاكرته وجه «كويت الخمسينيات والستينيات»، من خلال جميل ما قيل في الحفل من كلمات طيبة تشيد بدور المقيم، وما تخلل الحفل من تكريم لعدد منهم خلال احتفالية مميزة. وكيف أن الكويت تقدّر وتثمّن جهود كل المخلصين، وكيف أن تصرّف الجمعية ملمح إنساني رائع. وأشار إلى دوره في تزكية بعض من كرمتهم الجمعية، من أمثال المرحوم جورج مجاعص، وآخرين تربطه بهما علاقة قديمة، وهما الفنان التشكيلي أمين محفوظ، والأب الروحي للمكتبة المركزية، شيخ المفهرسين، عبدالرحمن التلالوة، وكيف أن فرحتهما كانت لا توصف حيال مبادرة الجمعية.
جاء العم أمين، كما يناديه الأخ حمزة، إلى الكويت لأول مرة بعد الاستقلال، وعمل في التلفزيون، وكان بإدارة خالد المسعود، في مقره القديم، بجانب قصر دسمان. وقال إن العم أمين تمتع دائماً بسيرة طيبة وصاحب عطاء متواصل في الفن التشكيلي، وقد تجاوز التسعين من العمر. أما الأخ التلالوة (أبو يوسف) فله حكاية مماثلة، فقد قدم للكويت في 1961، وعمل طباعاً، ثم تعيّن في المكتبة الوطنية، وكانت في سكة عنزة، في مكان يعرف ببيت البسام، نقلت بعدها إلى مكان آخر قبل أن تستقر في مقرها الفخم الحالي.
هؤلاء وأمثالهم لديهم معلومات وخبرات وحكايات عن المجتمع والبلد والأماكن لم تعد متوافرة اليوم، هذا الجيل مكسب للتاريخ الشفهي للكويت، حبذا لو بادر أحد من أصحاب البودكاست أو التلفزيون «بتفريغ» ما تحتفظ بها ذاكرتهم، فذلك صيد ثمين، يجب ألا يفوّت، وسيكون إضافة جديدة قد لا تتكرر، فتاريخ الكويت يقول إنها كانت الحديقة الخلفية للكفاءات العربية منذ الخمسينيات، وهناك ارتباط بين استقطاب عدد كبير من أصحاب العقول والكفاءات العربية التي اختارت الكويت، لما تمتعت به من استقرار سياسي، مقارنة بما حدث في محيطها الأكبر من انقلابات عسكرية وخلافه، بدءاً من نكبة 1948 في فلسطين، حيث خرج منها مجموعة من أصحاب الكفاءات والخبرات وجاؤوا للكويت، وما تبعها من نزوح من دول «الثوريات»، بدءاً بانقلاب يوليو 1952 في مصر، وما قبله في سوريا، وما بعده في العراق واليمن. بالرغم من أن وجود اللبنانيين في الكويت يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، فإن أعدادهم تضاعفت مع اشتعال الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 وما تلتها من حروب وتدمير.
يستطرد الزميل حمزة قائلاً: مع انتهاء عقد الأربعينيات كانت الكويت على أبواب مشروع عمراني ونهضوي حديث، بهدف خلق دولة رفاهية مرتكزة على توظيف واستثمار العائدات المالية للثروة النفطية، وتطلب ذلك الاستعانة بمهارات وكفاءات غيرهم، فحاجتها لليد العاملة والماهرة كانت أكبر بكثير مما كان لديها، وأصبح العمل فيها مغرياً، مع موافقة الدولة على توفير التعليم والطبابة المجانية للجميع. كما فضّلت الكويت العمال والموظفين العرب على سواهم من الأجانب، فكانت الإعلانات عن الوظائف بصورة دائمة، تجعل الأولوية للكويتيين، ثم العرب بالدرجة الثانية، وهناك أسماء كثيرة في سجل من عاش واستقر في الكويت، من قادة ومستشارين وخبراء وفنيين ورجال اقتصاد وتربية، هؤلاء وجدوا فيها حضناً دافئاً وبلداً مضيفاً، وواحة من الاستقرار والحريات.
أحمد الصراف
التعليقات