خيرالله خيرالله
لا يُعطي فكرة عن تراجع المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة أكثر من رد فعل عبدالملك الحوثي، زعيم جماعة «انصار الله»، في اليمن، على اتفاق وقف النار في لبنان. أكّد الحوثي أن جماعته ستتابع إسناد لبنان في المواجهة مع إسرائيل. طلب في الوقت ذاته من الميليشيات العراقية المنضوية تحت لافتة «الحشد الشعبي» بـ«التصعيد» مع إسرائيل. هل تسعى إيران، عبر الحوثي، الذي ليس سوى أداة من أدواتها في المنطقة، إشعال العراق أيضاً ونقل العدوى اللبنانية إليه؟
في واقع الحال، يرفض الحوثي، مثله مثل «حزب الله»، الاعتراف بأنّ الحرب التي شهدها لبنان كانت حرباً فرضتها عليه «الجمهوريّة الإسلاميّة» عبر أداته المحليّة المسماة «حزب الله». لا علاقة للبنانيين بهذه الحرب. هذه حرب جرّت الويلات على لبنان بعدما أمرت «الجمهوريّة الإسلامية» في ايران بربط مصيره بمصير غزّة. دمرت إسرائيل غزّة ودمرت نحو أربعين قرية وبلدة لبنانيّة. هل مطلوب انتقال الدمار إلى العراق أيضا بعد كلّ ما حصل في سورية ولبنان؟
على هامش حرب غزّة، التي انتقلت إلى حرب في لبنان، وحولته إلى بؤرة توتّر، نجد الآن انفجاراً للوضع في شمال شرقي سورية. اخترقت فصائل معارضة مدعومة من تركيا مدينة حلب بعدما الحقت خسائر كبيرة بالجيش السوري.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو منطقيّة مخاوف رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني. يخشى السوداني من توريط العراق بمواجهة في غنى له عنها مع إسرائيل. تنبّه إلى خطورة الرسالة التي أرسلتها إسرائيل أخيراً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. اعتبر السوداني أنّ الرسالة «تمثّل ذريعة وحجّة للاعتداء على العراق تحقيقاً لمساعي تل أبيب المستمرة نحو توسعة الحرب». مثل هذا التنبه ليس كافياً. الأهمّ من ذلك كلّه أن يكون لدى رئيس الحكومة العراقيّة ما يكفي من نفوذ يسمح بأن يكون لكلامه ترجمة على أرض الواقع.
إلى ذلك، شدّد السوداني خلال الجلسة الأسبوعية الأخيرة للحكومة العراقيّة على «أن العراق يرفض هذه التهديدات، وأن قرار الحرب والسِّلم هو قرار بيد الدولة العراقية، وغير مسموح لأي طرف بأن يصادر هذا الحق». هل أراد السوداني القول إن العراق ليس لبنان، وأنّ الكلمة فيه للحكومة وليس الميليشيات التابعة لإيران التي يحضها الحوثي على مهاجمة إسرائيل. من يقرّر، في العراق، هل هناك مصلحة وطنيّة في مهاجمة إسرائيل أو عدم مهاجمتها؟
يعكس كلام رئيس الحكومة العراقيّة وجود إدراك لخطورة التهديدات الإسرائيلية وجدّيتها في وقت لم يعد سرّاً تصرّف الدولة العبريّة بوحشية ليس بعدها وحشية أكان ذلك في غزّة أو في لبنان. لكنّ، ما الذي يستطيع محمّد شياع السوداني، عمله لتفادي مواجهة مع إسرائيل، لا شكّ أن العراق يرى أنّّها في غير مصلحته؟. يعرف رئيس الحكومة العراقيّة وغيره من كبار المسؤولين أنّ إسرائيل تستطيع إيذاء العراق عن طريق توجيه ضربات إلى مرافق حيوية فيه، بينها مرافق نفطيّة وميناء البصرة.
ما لا يمكن تجاهله أيضاً أن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، كشف أنه وجّه رسالة إلى مجلس الأمن دعاه فيها إلى الضغط على الحكومة العراقية لوضع حدّ لهجمات تشنّها فصائل عراقية موالية لإيران على إسرائيل.
اتهم ساعر «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» و«حركة النجباء» و«أنصار الله الأوفياء»، و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل. قال إنها فصائل تابعة لـ«الحشد الشعبي» تنفّذ هجمات عن طريق مسيرات وصواريخ تستهدف إسرائيل. كذلك، اتهم تلك الهيئة العسكرية العراقية (الحشد) بتلقي الرعاية من الحكومة العراقية والتوجيهات من إيران.
يظلّ كلام رئيس الحكومة العراقيّة كلاماً جميلاً من نوع كلام «حزب الله» في لبنان عن السيادة اللبنانية وحماية هذه السيادة... ما نجحت به «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانية في لبنان نقلته إلى العراق. صار «الحشد الشعبي» هو الدولة مثلما أن «حزب الله» كان إلى ما قبل فترة قصيرة، إلى ما قبل فتح جبهة جنوب لبنان، الدولة في لبنان.
يُفترض في محمّد شياع السوداني، في حال كان شخصاً واقعياً، الحدّ من نفوذ «الحشد الشعبي» وحريته في التحرّك في الأراضي العراقية. سيثبت بذلك أنّه قادر بالفعل على الفصل بين العراق وإيران، خصوصاً أن إسرائيل ليست جمعية خيريّة، بل دولة متوحشة بكلّ المقاييس. لدى إسرائيل القدرة على إيذاء العراق، هل يتعلّم السوداني وآخرون من تجربة اليمن والأضرار التي ألحقتها الدولة العبريّة بميناء الحديدة بعدما أطلق الحوثيون صواريخ ومسيرات في اتجاه أهداف إسرائيليّة؟ هل يستفيد من تجربة لبنان الجريح حيث لايزال «حزب الله» يتغنّى بانتصار وهمي. كان لافتا أنّ الأمين للحزب نعيم قاسم، تجاهل كليّاً في خطابه الأخير مسألة من باشر بفتح جبهة جنوب لبنان في الثامن من أكتوبر من العام الماضي.
المسألة تتلخص بسؤال واحد: مَنْ يحكم العراق «الحشد الشعبي» أم الجيش العراقي؟
لا يستطيع السوداني الكلام عن سيادة عراقيّة وقطع الطريق على العدوانية الإسرائيلية من دون الإجابة عن هذا السؤال، خصوصاً أن إيران لاتزال تعتبر العراق ورقة من أوراقها في المنطقة وأن الميليشيات أداتها للسيطرة على هذا البلد المهمّ.
بعض التواضع ضروري. الكلام عن سيطرة الحكومة العراقيّة على أراضي العراق وإمساكها بقرار الحرب والسلم شيء... والحقيقة والواقع شيء آخر!
هذا هو الواقع المؤسف في منطقة تشير التطورات فيها إلى أنّّها في مرحلة مخاض ستؤدي إلى تحوّلات جذرية فيها.
التعليقات