طلال صالح بنان
يوم الأربعاء الماضي وُضع اتفاق وقف النار على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية موضع التنفيذ، بطول وعمق جبهة القتال. وإن كان في متن الاتفاق الكثير من الغموض والركاكة في الصياغة والمضمون، من حيث أطرافه، الذين أحدهم ليس طرفاً في القتال (الحكومة اللبنانية)، بينما الطرف المقاتل (المقاومة اللبنانية) لم يذكر مباشرةً بوصفه طرفاً ملتزماً بما جاء في القرار... تَصَوّر اتفاق من هذا يتُوصل إليه في الجبهة الجنوبية، لا تكون المقاومة طرفاً مباشراً فيه ومعنياً بمسؤولية تنفيذه، مع غياب طرف سيادي يمثل الفلسطينيين، ماذا تكون احتمالات التوصل إليه وجدارة الالتزام به؟
ليس هذا موضع تقييم الاتفاق والنظر في احتمالات التزام أطرافه به وجدارة صموده، لكن النظر في احتمالات عقد صفقة موازية على الجبهة الفلسطينية الإسرائيلية الجنوبية، وهي الجبهة الرئيسية للقتال، المشتعل لأكثر من أربعمائة يوم. يمكن القول من الناحية الاستراتيجية والسياسية: إن وقف القتال على الجبهة الشمالية يُعَدُ متطلباً، من وجهة نظر إسرائيل، لوضع وزر الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023. هذا قد يكون الإنجاز العسكري الأكثر وضوحاً لإسرائيل لأهم أهداف تركيزها العسكري على الجبهة الشمالية، من حيث تحقيق هدف فصل الساحات، مقابل استراتيجية المقاومة اللبنانية في وحدة الساحات. إسرائيلياًً: الجبهة الشمالية ذات أهمية استراتيجية وسياسية لا يمكن مضاهاتها مع تلك الأهمية التي توليها للجبهة الجنوبية، مع غزة، بينما بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، مجرد جبهة مساندة.
مما لا شك فيه أن حكومة الحرب الإسرائيلية ستلتفت بكل إمكاناتها العسكرية والسياسية، في المرحلة القادمة، إلى جبهة غزة، لأنها ميدان الحرب الرئيس الذي يتوقف حسمها على تحقيق أهداف إسرائيل الاستراتيجية من عدوانها على غزة، التي تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية، الأول: استعادة الأسرى.. الثاني: استعادة وضعية الردع الإقليمي، الثالث: فتح آفاق التطبيع مع جيران إسرائيل العرب، والقبول النهائي بشرعية إسرائيل الدولية، على كامل أرض فلسطين التاريخية، بوأد مشروع الدولتين.
حكومة نتنياهو المدعومة من اليمين الديني المتطرف، لن توافق على صفقة مع المقاومة الفلسطينية، يكون ثمنها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، حتى ولو كان هذا يعني المجازفة بحياة الأسرى التي يمكن أن تطيح بنتنياهو وحكومته. في المقابل: قضية الأسرى كانت وما زالت أقوى ورقة تحتفظ بها المقاومة الفلسطينية، تساوي إن لم تفُق إرادتها في مواصلة القتال. المقاومة لا يمكن أن تسمح بفك الارتباط بين مواصلة القتال ومصير الأسرى، لعلمها بمدى الأهمية الاستراتيجية لقضية الأسرى بالنسبة للداخل الإسرائيلي، كما أن المقاومة وعت أهمية قضية الأسرى، من تاريخ صراعها مع إسرائيل.. وحروب الدولة العبرية النظامية مع الدول العربية.
ثم أن أي صفقة للأسرى مع إسرائيل لا تعني فقط تبادل للأسرى بين الطرفين، بل أيضاً وقف الحصار عن غزة وإعادة إعمارها.. والأهم الإقرار بأن أي اتفاق على الجبهة الجنوبية، يلغي كل أحلام إسرائيل التوسعية في القطاع، وتحقيق مطالب الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية.. وعدم استبعاد المقاومة من أي ترتيبات أمنية وسياسية للقطاع في اليوم التالي لوقف الحرب.
إذن: الصفقة على الجبهة الجنوبية تبدو أكثر تعقيداً، تقترب من مستويات استحالة الوصول إليها، من إمكانات التوصل إليها. إنها أكثر من هدنة قد تلد حرباً أخرى، لترقى كونها معاهدة لوضع وزر الحرب، بتبعاتها المحلية لأطرافها وإقليمها وللعالم، بأسره. صفقة إما أن تبشّر بقرب سلام حقيقي دائم، وإما استمرار التوتر وعدم استقرار المنطقة. صفقة لا تحتمل أنصاف الحلول. صفقة تكاد تحكمها معادلة صفرية، لا ميوعة استراتيجية.
في النهاية: المنتصر في صفقة الجبهة الجنوبية، ليس أطرافها أو أحدهم، إنما أن يكون السلام.. أو استمرار حالة الحرب في قلب المعمورة (أرض الرسالات ومهد السلام).
التعليقات