عبدالله الزازان

يرتبط موضوع الدراسات الاجتماعية المقارنة ارتباطًا وثيقًا بتحديد تعريفاتها ومصطلحاتها ومفاهيمها ومضامينها وأوجه دلالاتها، فالمتتبع لتاريخ الدارسات الاجتماعية يجد أنها كانت قبل القرن الـ19 تتبع للفلسفة وعلم النفس وعلم التاريخ الاجتماعي ومباحث أخرى، وكانت عبارة عن نظريات ودراسات مغمورة ومجهولة، تدور في نطاق الفلسفة والتاريخ الاجتماعي وعلم النفس، وكانت أقصى غاياتها المعرفة، وعندما استقلت بذاتها كعلم منفرد، تميزت بالشمولية واحتكامها إلى التجربة. فالدراسات الاجتماعية، من أكثر الدراسات التي عرفت جدلًا واختلافًا واسعًا، وذلك بسبب اختلاف الدارسين والباحثين في تحديد وظيفتها ودورها داخل المجتمع الإنساني، ولذلك فمن غير تحديد مصطلحاتها ومفاهيمها ومنطلقاتها، لا يمكن الحديث عن دراسات اجتماعية واقعية، وإن كانت الدراسات الاجتماعية في تصوري وإن استقلت كعلم خاص بها إلا أنها لم تتخلص بصفة قطعية من مباحث الفلسفة وعلم النفس وعلم التاريخ الاجتماعي، وإن كان الحديث عن الدراسات الاجتماعية المقارنة لا يسعها مقال بحثي، وإنما تحتاج إلى دراسة شاملة، وما أحاول أن أقوم به هو تتبع ورصد اختلاف الدارسين أو اتفاقهم حول الدراسة الاجتماعية. فعندما ننظر مثلًا إلى الليبرالية الغربية نجد أن معظم الدراسات التي تناولت الليبرالية تدور حول الكتابات التي تتعلق بالمراحل التي مرت بها الليبرالية، ومدى قبول المجتمعات الإنسانية لها، غير أن هذا ليس الغرض الجوهري من الليبرالية، إذ إن الغرض من الليبرالية دراسة علاقتها بالمجتمعات الإنسانية ومدى تفاعلها داخل تلك المجتمعات، وقبولها أو عدم قبولها بين مجتمع وآخر، وثقافة وأخرى، ولذلك نجد اختلافًا كبيرًا في دراستها بين باحث وآخر، وهذا يعكس في الأساس ما تشكلت عليه ذهنية الباحث حول الليبرالية وبين اختصاصه كعالم اجتماع أو دراسات معاصرة أو مفكر أو فيلسوف أو عالم لاهوت، حيث تأخذ تلك الدراسات منحى مختلفًا عند علماء الغرب عن المنحى الذي عليه علماء آخرون، إذ إن كل عالم يحدد تعريفه لليبرالية حسب مرجعيته واختصاصه أو وموقفه من الليبرالية. وإن كانت الدراسات الاجتماعية تتسع دائرتها وتضيق بحسب الأزمنة والعصور، ولذلك نلاحظ اختلافها بين عصر وآخر وحضارة وأخرى ومفكر وآخر، ففي الدراسات الاجتماعية التي تنحى منحىً إسلاميًا، نرى أن الأديان والمِلل والفِرق والنحل والتيارات الفكرية وضعت في نطاق واحد تحت مسمى المذاهب المعاصرة، بينما نراها في الدراسات الأوروبية كل علم مستقل بذاته. ولذلك نجد اختلافًا في تعريف ووصف الليبرالية بين المراجع العلمية؛ فدائرة المعارف البريطانية تعطي تعريفًا مختلفًا عن دائرة معارف القرن الـ20 أو الموسوعة العربية الميسرة أو قاموس لاروس الكبير أو دائرة المعارف الإسلامية أو الموسوعات الفلسفية أو موسوعة لالاند أو الموسوعة الأمريكية الأكاديمية أو المعجم الفلسفي أو المنظومات الفلسفية والانساق الاجتماعية، ولذلك يظهر تباين التعريفات والمصطلحات لتحديد مفهوم ومضمون الليبرالية، وذلك تبعًا لفكر وتخصص الباحث. فالليبرالية تحمل تعريفات ومصطلحات ومضامين ودلالات مختلفة، حيث نرى في الدراسات الحديثة عدم الاتفاق على تعريف دقيق وموحد، حيث يأخذ تعريف الليبرالية ألوانًا متعددة حسب القراءة المقدمة من الباحث أو الدارس، باعتبارها خلاصة تجربة إنسانية امتدت على مدى 4 قرون، تناوب على بنائها عدد من المفكرين أمثال: جون لوك وآدم سميث وفولتير وروسو وجيري بنثام وجون ستيوارت ميل. وكل وضع لها تعريفها الخاص، فقد عرفها روسو بأنها الحرية المطلقة. وعرفها لاشلييه بالانفلات المطلق، وهوبز بغياب العوائق الخارجية وهاليفي بالاستقلالية. وإن كان يوجد دارسون تناولوا الليبرالية من جوانب مختلفة أملتها عليهم تخصصاتهم واهتماماتهم، فمنهم من تناولها من ناحية اجتماعية أو تطرق لها من زاوية فكرية أو فلسفية، وهذا ما جعل الليبرالية تختلف من باحث إلى آخر. ففي كتاب «freedom's power The true force of liberalism» يحاول الكاتب الدفاع عن الليبرالية السياسية ضد منتقديها وذلك بتتبع الليبرالية، المعاصرة من جذورها ودورها في الحد من الاستبداد في القرن 17 و 18 من خلال تطور الديمقراطية الليبرالية، ثم يتناول الأفكار المختلفة والمثيرة للجدل حول الليبرالية، حيث يرى الكاتب أن هناك من قام بتطويع مفهوم الليبرالية لتصبح مصطلحًا يثير الاستياء، حيث يرى أن الانتقادات التي صورت أن الليبرالية غير واضحة من قبل اليسار لم تكن واقعية. ويرى الكاتب أن الليبرالية تواجه تحديًا من قبل المحافظين التقليديين واليمين الليبرالي، فالمحافظون التقليديون يرون أن هنالك مبالغة من قبل الليبراليين اليساريين في تصور الحرية الفردية، أما اليمين الليبرالي فقد تناول بالنقد المسارات التي سارت عليها الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية. وفي سياق الدفاع عن تلك الانتقادات، يؤكد الكاتب أن عناصر الليبرالية الديمقراطية يمكن لها أن تتصالح، وذلك من خلال مزج الليبرالية الفردية بالحرية الاقتصادية والمساواة والتسامح. وفي كتاب «الليبرالية الجديدة: جذورها الفكرية وأبعادها الاقتصادية» ركز المؤلف الدكتور أشرف منصور على النقد الموجه لليبرالية الاقتصادية أكثر من عرض وشرح وتفصيل مذاهبها ونظرياتها، حيث يرى أن الخطاب الليبرالي الجديد السائد ليس سوى تعبير إعلامي عامي يناقض مبادئ الليبرالية الاقتصادية، كما ركز الكتاب على الأعلام الشهيرة في مجال الليبرالية الاقتصادية، بدءًا من الليبرالية في إنجلترا القرن السابع عشر، تلاه فصل لآدم سميث، وآخر للاقتصاد السياسي النيو كلاسيكي، وانتهى بفريدريك هايك. وقد تلت هذه الموضوعات فصول أخرى تناولت أبرز نقاد الليبرالية الاقتصادية عبر مسيرتها من سميث إلى هايك، مثل دور كايم وفبلن وكارل بولاني. أما كتاب «الليبرالية» للكاتب جورج يوردو فيتناول الليبرالية في عرض مختلف عن المتعارف عليه؛ حيث يرى أن الأيدولوجيا الليبرالية حررت المجتمع، لكنها تجاهلت الشراك المنصوبة للحرية على المستوى الاجتماعي، ففتحت الأبواب أمام هيمنة الرأسمالية، حيث يرى أن الرأسمالية العالمية استولت على الأيدولوجيا الليبرالية، لكي تحمي وتبرر مصالحها، ولكي تحكم المجتمع من دون مسؤوليات سياسية، بحجة فصل السياسي عن الاجتماعي. فالمؤلف كان قاطعًا في حكمه؛ حيث يرى أن الرأسمالية ليست ليبرالية، فالليبرالية حسب تصوره - أيدولوجيا تضع ثقتها في الحرية، ويرى أن الرأسمالية استولت على الليبرالية، وفسرت الحرية التي تؤمن بها على أنها حرية اقتصادية. أما كتاب «الليبرالية الجديدة» فيتحدث ديفيد هارفي صاحب كتاب «حالة ما بعد الحداثة والإمبريالية الجديدة» متناولًا الليبرالية الجديدة من أين جاءت؟ وكيف انتشرت على المسرح العالمي، ويشير إلى تاتشر وريغان باعتبارهما أصحاب مشروع التحول الليبرالي الجديد، ويرى أن هنالك مجموعة قوى لعبت دورًا كبيرًا في تطور الليبرالية الجديدة، ويرصد نقاط الاتفاق والاختلاف بين الليبرالية الجديدة الذي تبناها كلنتون، وبين التحول في السنوات الأخيرة إلى إمبريالية جورج دبليو بوش والمحافظين الجدد. وهارفي بالمناسبة شغل مناصب أكاديمية في جامعتي أوكسفورد وجونز هوبكنز، وكتب عن الاقتصاد السياسي لظواهر العولمة والتمدن والتغير الثقافي. ويقدم - في هذا الكتاب - الدليل النقدي لما يمكن تسميته الحالة الليبرالية الجديدة، مبينًا أصولها، ومقتفيًا أثر انتشارها حول العالم وتأثيراتها في كل مكان. أما كتاب «الليبرالية» للمؤلف باسكال سلان فيتناول الليبرالية، بكل ما تحظى به في عالمنا اليوم من اهتمام. وما يلفها من غموض، اهتمام تولد عن عودة الوعي بقيم الحرية، كما تولد عن اقتناع عام بجدوى اقتصادي السوق وإمكانياته في تحريك مسلسلات التنمية البشرية والتطور الاقتصادي والرفاه الاجتماعي وغموض أنتجته مظاهر سوء الفهم للمرتكزات الحقيقية للفكر الليبرالي ذي البعد الإنساني. فالكتاب يسلط الضوء على جزء كبير من مناطق الغموض التي تحجب فهم الليبرالية، وتحول دون الوصول إلى مدلولاتها الحقيقية.