أحمد المغلوث
في السنوات الأول في المرحلة الابتدائية كان مشهد «الفلكة» أداة العقاب في مدارس زمان مشهداً تكاد تجده في كل إدارة مدرسة أو بعض الفصول، وهذا المشهد ليس في وطننا فحسب وإنما في مختلف الدول العربية. بل وحتى الدول الإسلامية بل وحتي في الكتاتيب التي لم يصل إليها التعليم النظامي.. والفلكة كانت عبارة عن عصا بعرض 5 سم. وبها خيط عريض. في المملكة تسمى الفلكة وفي دول عربية تسمى «الفلقة» وهي من أدوات العقاب المخيفة في فيما مضى وكان رؤيتها يثير الخوف والوجل لدي جميع الطلاب خاصة الصغار منهم، وكان أكثر من تتم عملية مده على أرض الفصل أو في رواق المدرسة حسب ما ارتكبه من تقصير في عدم حفظه لسور القرآن الكريم أو نصوص المحفوظات، أو تمكنه من حفظ جدول الضرب. آه الضرب بعصا الخيزران، وأنت ممدود علي أرض الفصل وأمام زملائك الذين بعضهم تبدو عليه علامات الخوف والوجل أن يكونوا يوماً كما هو حال زميلهم الممدود على الأرض وهم يشاهدون زميلهم يصرخ من وقع ضربات العصا على قدميه الحافيتين كونه لم يحفظ جدول الضرب فمصيره الضرب أو لم يحفظ سورة القرآن الكريم وو..
تذكرت حكايات الفلكة وكيف كانت العملية التربوية تهتم كثيراً بالتزام التلاميذ الصغار بالحفظ حتى لو اضطرت الإدارة في استخدام «الفلكة عقاباً لهم وأنا أتذكر ما سمعته عن طرائف وحكايات عديدة عما حصل للبعض من زملاء الدراسة عندما التقينا في استراحة أحدهم الذي استضافنا في مزرعته في ليلة باردة قبل أيام وراحت الحكايات والذكريات تتواصل وكل يروي ما حدث له ونحن نتضاحك.
وكم من المشاهد وثقتها ذاكرة كل واحد منا فمثلا أنا كنت ضعيفا وضامر الجسم فكنت ارتدي أكثر من «شراب» في قدمي من باب الاحتياط، ومع هذا كان أحد المدرسين رحمه الله يطلب من الذين عليهم الدور في أخذ نصيبهم من العقاب أن ينزعوا «الشراب» فوراً بعض المعلمين كانوا لايستخدمون العصا الخيزران المؤلمة ويكتفى البعض منهم باستخدام «المسطرة» وكان المها أخف وطأة من «الخيزرانه» ورحم الله أحد الزملاء الذي كان بدينا ولم يحفظ ما هو مقرر له ذكر ذلك واحد منا ومن عاصره في المدرسة الأولى بالمبرز فعندما تمت عملية ربط قدميه في «الفلكة « وراح المعلم يضربه وهو يصيح من الالم و يردد أتوب أتوب يا أستاذ إذا بصياحه يختلط بصوت خرج من تحته عندها تراجع الأستاذ للخلف وسقطت من يده عصا الخيزران وخرج من الفصل مهرولا وهو يضع أطراف غترته الشال على وجهه وترك خلفه لعنات الطالب الضحية وأصوات ضحكات الطلاب..
والحق أننا تضاحكنا أيضا بعدما روى لنا زميلنا هذه «الطرفة» من وحي ماكان يحدث ويذكر ومازال يذكر عندما تعود بنا نحن الذين عاصروا زمن الفلكة، وكم من طالب انسابت من عينيه الدموع مصحوبة باللعنات على بعض من المعلمين الذين كانوا يوظفون «الفلكة اللعينة» بطريقة غير محببة مع انها كانت وكما يذكرا التاريخ كانت موجودة في الكتاتيب وفي السجون ولدي الشيوخ الأفاضل الذين يدرسون القرآن الكريم بل وحتى لدي السيدات الفاضلات اللواتي كن يدرسن الفتيات قبل التعليم النظامي.
وقبل أن نذهب لتناول العشاء قال أحدهم وهو يمسك بيدي، تصدق يا أبا عبدالله إن أبوي رحمه الله عندما اصطحبني للمدرسة الأميرية بالهفوف، قال للمدير لك العبارة التي باتت تاريخية: «خذ اللحم وعطنا العظم» لذلك كانت المدارس في الماضي إدارة ومدرسين لديهم اللون الأخضر والإشارة أمامهم خضراء مفتوحة، ومع هذا تجد جيل الماضي كان متميزا دراسة وثقافة، فقلت له كلامك صحيح إلى حد ما، ولا يمكن أن ننسى أن هناك دوراً كبيراً يقع على الأسرة حتى اليوم فمتابعة الأبناء وعدم إنشغال الوالدين عن أفراد أسرتهم له تأثيره الكبير في العملية التربوية الخلاقة. وكما يقال كل أسرة تنضح بما فيها، وعليها في هذا الزمن زمن الرؤية مسئولية كبيرة أهمها المتابعة وبالتالي أن تهتم الأسرة أكثر بأبنائها وبناتها من أجل مستقبل مجتمعنا وأجيالنا.. الذين باتوا يعيشون زمن الذكاء الاصطناعي.. ولن أزيد.
التعليقات