خالد بن حمد المالك

يبدو أن هناك رغبة لدى أمريكا وإيران لتجنب أي حرب بينهما، وأن مباحثاتهما في سلطنة عمان كانت تمرر رسائل ودية وكأنهما حليفان، وهذا ما يفسر التصريحات التي تلت انتهاء الاجتماع وقيل عنها من الطرفين: إن المباحثات جرت في أجواء بناءة وإيجابية.

* *

واضح أن إيران لديها الاستعداد للتخلي عن بناء ترسانة نووية، خاصة بعد التصريحات النارية للرئيس ترامب الذي أكد مراراً على أن إيران لن يسمح لها بحيازة قنبلة نووية لا الآن ولا في المستقبل، وأن هذا خط أحمر، وعلى إيران أن تقبل بذلك، أو تنتظر ما هو أسوأ لها، والمقصود بذلك الهجوم الأمريكي الإسرائيلي العسكري عليها.

* *

قبل عقد الاجتماع صرح الرئيس الأمريكي بما اعتبر رسالة تودد حين قال: إنه يريد أن يرى إيران دولة مزدهرة، ولكن بلا امتلاك سلاح نووي، ومثله فقد سارع المرشد الإيراني إلى قبول الاقتراح الأمريكي بإجراء مباحثات لإنهاء إشكالية عزم إيران لبناء مفاعل نووي لها.

* *

واضح أن إيران لا تمانع من تفكيك مفاعلها النووي، والتوقف عن الاستمرار والمضي بإنجاز برنامجها لامتلاك قنبلة نووية مقابل رفع العقوبات الأمريكية ضدها، غير أنه من المستبعد أن تتخلى أمريكا عن العقوبات دفعة واحدة، ولكن لإظهار النوايا الحسنة قد تعلق بعض العقوبات متى تأكدت من التزام طهران بإنهاء تجاربها النووية.

* *

اجتماع مسقط لم يحسم الأمر بشكل نهائي، ولكنه مهد الطريق، وأظهر حسن النية لدى الطرفين في عقد اتفاق آخر يستعرض إمكانية تحقيق بعض طلبات إيران مقابل التزامها بالتخلص من برنامجها النووي، لكن التفاصيل والضمانات والتنازلات تحتاج إلى مزيد من الوقت، وإلى أكثر من اجتماع مباشر، والمهم قبول إسرائيل بما يتم الاتفاق عليه بين طهران وواشنطن.

* *

وكدليل على ترحيب إيران بالحوار مع أمريكا، ما أعلنته طهران من ترحيبها بعقد اجتماع بين الطرفين في طهران، وهذه خطوة جيدة تفتح مجالاً واسعاً لتجنب الحرب، وتؤكد على التقارب في استيعابها لخطورة الموقف إذا ما تم تمسك كل طرف بقناعاته، حتى وإن لم يعقد الاجتماع في طهران.

* *

حل الخلاف بالحوار والدبلوماسية، وإعلان البيت الأبيض بأن الجولة الثانية للمحادثات ستكون يوم السبت القادم، دليل على أن فرصة الوصول إلى توافق ينهي هذا الشر أصبح قريباً، بعد عقود من تدهور العلاقات بين واشنطن وطهران، بما جعل الخلاف يتصاعد منذ عام 1979م وإلى اليوم.

* *

أمريكا لا تريد أن تخسر إيران، ولكنها تريد أن تكون علاقاتهما مبنية على قبول إيران بما تراه أمريكا، وألا تضر السياسات الإيرانية إسرائيل، مذكرة بأن إيران إبان حكم الشاه كانت شرطي أمريكا في المنطقة والحليف الذي لا ينافسها في العلاقات مع واشنطن إلا إسرائيل.

* *

نقدر لسلطنة عمان استضافتها للاجتماع، ودبلوماسيتها العالية في نقل الرسائل بين الطرفين، والمناخ الذي وفرته لإنجاح أول اجتماع بين طهران وواشنطن، حيث تحقق ما كان مستحيلاً، ونعني بذلك أنه تم عقد لقاء بين الطرفين بعد أكثر من أربعة عقود من القطيعة والخلافات المتأزمة بينهما.