كتبت هذا المقال في الطائرة، من بيروت إلى القاهرة، وكان من المقرر إرساله إلى القبس فور وصولي الفندق، لكن ظروفاً أخّرت نشره حتى اليوم، أثناء ذلك حضرت حفل توزيع جوائز مؤسسة «تكريم»، في قصر عابدين التاريخي، وزيارة المتحف المصري، الجديد.

تحديد الدولة التي تمتلك أفضل الآثار، أو أكثرها أهمية، من الناحية الحضارية والتاريخية، أو أكبرها كمّاً، مسألة تخضع لمعايير متفرقة، تشبه المعايير التي تتبع في تصنيف الجامعات أو المصارف، فلكل جهة أدواتها، ووجهات نظرها.

لا يستخدم اليونيسكو مبدأ «أي الدول أكثر أهمية في آثارها»، بل تتعامل مع مواقع الآثار وفق معايير موحدة لجميع الدول، والنتيجة قد توحي بأن بعض الدول «أهم» لأنها نجحت في تسجيل عدد أكبر من المواقع أو أكثرها شهرةً. لكن يتم غالباً التركيز على «القيمة العالمية الاستثنائية» للموقع المحدد، اعتماداً على اتفاقية حماية التراث العالمي لعام 1972، والتي تحدد بعض المواقع التي لها قيمة عالمية استثنائية تستحق حماية خاصة بوصفها إرثاً مشتركاً للبشرية، بصرف النظر عن غنى الدولة، أو رعايتها لآثارها أو قوتها السياسية. وتقوم جهات استشارية دولية بتقييم المواقع، ثم تتخذ لجنة التراث القرار، لكن غالباً تنجح دول معينة في إعداد ملفات ترشيح قوية وتتحمل التكاليف المالية والإدارية، فتنال عدداً أكبر من المواقع على القائمة، وتخسر دول أخرى لنقص الخبرات والأموال لديها، على الرغم من امتلاكها تراثاً عظيماً، ربما مصر بينها.

تعتبر إيطاليا أكثر دولة امتلاكاً لمواقع التراث العالمي المسجَّلة لدى اليونيسكو، وعددها 61 موقعاً، تليها الصين 60، ثم ألمانيا وفرنسا، وأسبانيا، أما مصر فلديها 7 مواقع فقط، ومع هذا تُعدّ من أغنى الدول في الأهمية التاريخية والتراثية والتنوع الأثري، وقد تصدرت في استطلاعات وتصنيفات عالمية خاصة بأنها أكثر الدول ثراءً من حيث التراث الحضاري والتاريخ العريق، وأهم آثارها الأهرامات، وأبو الهول، ومعبد الكرنك بالأقصر، ووادي الملوك، ومعبد «فيلة» في أسوان، وغيرها.

ورد في نشرة «التاريخ»، يناير 2025، تحقيق طريف، على الإنترنت، بقلم توني دانيل، عن السر الكامن وراء طريقة بناء أهرامات مصر العظيمة، التي لم تستطع جهة إقناع العالم، بشكل حاسم، بأي منها.

بني من الأهرامات، على مدى ألف عام، قرابة المئة، ولا يزال عدد قليل منها باقياً، ويُعد هرم زوسر المدرّج، أقدمها، وبُني في الفترة ما بين ٢٦٦٧ و٢٦٤٨ قبل الميلاد، وأشهرها أهرامات الجيزة التي بنيت قبل 4500 عام، وتُعد أحد من أبرز الإنجازات المعمارية للبشرية، بدقتها المذهلة وحجمها الهائل.

على الرغم من النظريات العديدة والبحوث الأثرية المكثفة، لا تزال الطرق التي اتبعت في بناء الأهرامات موضع جدل، فكيف بناها الفراعنة بكل كتلها الصخرية الضخمة التي يصل وزنها لـ2.5 طن، وكيف نقلوها إلى أعلى الهيكل؟ لا جواب حاسماً، حتى تلك التي تعلقت بدور كائنات فضائية في بنائها. في ما يلي ثلاث من أكثر نظريات البناء ترجيحاً..

يقول المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت إن بناء الهرم الأكبر استغرق 20 عاماً، وتطلب عمل 100000 عامل، وانهم نقلوا الأحجار من أماكنها بواسطة آلات مصنوعة من ألواح خشبية قصيرة، رفعتها الآلة الأولى من الأرض إلى قمة الدرجة الأولى، التي كانت فوقها آلة أخرى، تستقبل الحجر وتنقله إلى الدرجة الثانية، وأن هذا ما أخبره به الكهنة. لكن كلام هيرودوت جاء بعد وقت طويل من بناء الهرم الأكبر، يوم لم يكن لا هيرودوت ولا الكهنة، قد ولدوا!

وهناك نظرية المنحدر الخارجي، فعلماء الآثار عموماً يتفقون على أنه لا بد من استخدام نظام من المنحدرات، بشكل أو بآخر، لسحب الكتل الحجرية الضخمة إلى مواقعها. لكن لا دليل مادياً على تلك المنحدرات. لذا افترض أصحاب النظرية الأخرى، أو الثالثة، بوجودها داخل الهرم، أو استخدام منحدر خطي واحد مبني على أحد جانبي الهرم، والذي كان يرتفع تدريجياً مع تقدم بناء الهرم. وهذا يتطلب أن يكون طوله 2 كلم تقريباً. وتكهن غيرهم بوجود منحدر حلزوني يلتف حول الهرم بأكمله، وهي نظرية شائعة أكثر من غيرها.

ويبقى السر عميقاً، ولن نبذل أي جهد في البحث عنه، وتبقى مصر.. أم الدنيا!


أحمد الصراف