بمجرد أن يقول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن الولايات المتحدة تبحث في ما إذا كان اغتيال إسرائيل للقيادي البارز في "حماس" رائد سعد في غزة السبت يُعَدّ انتهاكاً لوقف النار، فإن ذلك يعني ضمناً عدم رضا أميركي عن خطوة أقدم عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من شأنها أن تؤدي إلى انهيار هدنة غزة بالكامل. لم يكن اغتيال سعد وحده مصدر التوتر الناشئ بين ترامب ونتنياهو. المسؤولون الأميركيون تغاضوا عن الانتهاكات الإسرائيلية السابقة لوقف النار أو تظاهروا بأنهم يتفهمون الذرائع التي يسوقها نتنياهو لمواصلة القصف على غزة، لكن ترامب، الذي يفاخر بوقف 8 حروب في العالم، لن يسمح بانهيار الهدنة في الشرق الأوسط وتجدد الحرب هناك، على غرار ما يحصل بين كمبوديا وتايلاند، وبين الكونغو الديموقراطية ورواندا، وتالياً الطعن في صدقيته. إن استئناف الحرب في غزة يعرض كل أجندة ترامب الشرق أوسطية للخطر، وينسف مقولته عن أنه "رئيس سلام"، وليس رئيساً يدير الحروب في العالم. وعلى هذه الخلفية المزروعة بالشكوك، أوفد ترامب السفير الأميركي لدى أنقرة توم برّاك إلى إسرائيل الاثنين، في محاولة للحد من اندفاع نتنياهو إلى نسف وقف النار واستئناف الحرب الواسعة على غزة، على غرار ما حصل في هدنتين سابقتين إبان رئاسة جو بايدن. لا يزال وقف النار بين إسرائيل وحماس هشاً وسط تبادل شبه يومي للاتهامات بخرقه. (أ ف ب) بدأ ترامب يلمس تململاً إسرائيلياً من تصميم الإدارة الأميركية على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة غزة. ولا يجد البيت الأبيض سبباً مقنعاً لرفض الحكومة الإسرائيلية مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية. وعلى النقيض من ذلك، تعتبر واشنطن أن المشاركة التركية قد تشجع دولاً أخرى على الانضمام إلى هذه القوة التي يتوقف عليها مصير الخطة الأميركية بالكامل. يراهن ترامب على العلاقات الجيدة بين تركيا و"حماس"، كي تبدي الحركة مرونة في مسألة تخليها عن السلاح، وهو إجراء يسهل الولوج إلى بقية بنود الخطة، ومنها الانسحاب الإسرائيلي إلى شريط أضيق من حدود القطاع، والشروع في إعادة الإعمار، وخلق مناخات إقليمية مواتية للتقدم نحو السلام الإقليمي. يجدر التوقف ملياً عند كلام ترامب الاثنين عن أن القوة الدولية لغزة بدأت العمل، وبأن دولاً أخرى ستنضم إليها. وهذا يعني عملياً إعلان الانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأميركية. أين يقف نتنياهو من رؤية ترامب؟ تشير الوقائع، بعد أكثر من شهرين من هدنة غزة، إلى أن نتنياهو، الذي قبل على مضض وقف الحرب، لم يظهر التزاماً بوقف النار. وتواصلت الهجمات الإسرائيلية، وإن بوتيرة أقل مما كانت عليه قبل 10 تشرين الأول/ أكتوبر، ولم تسمح إسرائيل بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية، كما أنها تمضي في إجراءات لضم الضفة الغربية كأمر واقع. وعلاوة على غزة، لا يخفي المسؤولون الأميركيون استغرابهم من تصعيد إسرائيل توغلاتها في الأراضي السورية، بما يهدد مساعي الرئيس السوري أحمد الشرع، المدعوم أميركياً، لتوطيد حكمه. وهناك استياء أميركي من رفض إسرائيل الانسحاب من الأراضي التي احتلتها عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، مما يعوق التوصل إلى اتفاق أمني بين دمشق وتل أبيب، يمهد في ما بعد لانضمام سوريا إلى الاتفاقات الإبراهيمية. وفي الوقت عينه، لا ترى واشنطن أن ثمة ما يستدعي استئناف الحرب على لبنان، وفق ما تلوّح به الحكومة الإسرائيلية. التصعيد في غزة ولبنان وسوريا يدفع المسؤولين الأميركيين إلى التساؤل عما إذا كان نتنياهو يريد فعلاً المضي بأجندة ترامب، أم أنه يرى أن الوقت قد حان لاستئناف الحروب الأبدية. هذا السؤال من المفترض أن يجيب عليه نتنياهو في قمة فلوريدا مع ترامب في 29 كانون الأول الجاري.