سارا القرني

ليست السعادة حالة طارئة تزورنا صدفة، ولا هبة دائمة يمكن الاحتفاظ بها إلى الأبد، بل هي نتاج وعي عميق بطريقة العيش، وفهم صادق للنفس، وتصالح هادئ مع ما نملك وما نفتقد.

كثيرون يربطون السعادة بالماديات، بالمناصب، أو بالإنجازات الكبرى، لكن التجربة الإنسانية أثبتت أن السعادة لا تسكن الأشياء بقدر ما تسكن الشعور.

قد يمتلك الإنسان كل أسباب الرفاه، ويعيش فراغًا داخليًا قاسيًا، وقد يملك القليل، لكنه غني بالرضا والطمأنينة. السعادة الحقيقية تبدأ من الداخل، من القدرة على تقبّل الذات دون قسوة، ومن الإيمان بأن الحياة ليست سباقًا لإثبات التفوق، بل رحلة لاكتشاف المعنى. حين يتوقف الإنسان عن مقارنة نفسه بالآخرين، ويبدأ بالتركيز على نموه الشخصي، يكتشف أن السكينة أقرب مما كان يظن.

من أعظم مصادر السعادة الشعور بالقيمة، أن تشعر بأن لوجودك أثرًا، وبأنك تُضيف شيئًا -مهما بدا صغيرًا- إلى هذا العالم. العطاء، بمختلف أشكاله، يخلق علاقة متوازنة بين الإنسان وذاته، ويمنحه شعورًا عميقًا بالامتلاء. فمن يزرع الخير في محيطه، يحصد سلامًا داخليًا لا يُشترى.

كما أن العلاقات الإنسانية الصادقة تُعد من أقوى روافد السعادة. ليس بكثرتها، بل بصدقها. العلاقة التي تُشعرك بالأمان، وتسمح لك بأن تكون على سجيتك دون خوف أو تبرير، هي كنز نفسي حقيقي.

فالإنسان لا يحتاج إلى جمهور واسع، بقدر حاجته إلى قلب واحد يفهمه. ولا يمكن الحديث عن السعادة دون التطرق إلى الرضا.

الرضا لا يعني الاستسلام، بل يعني تقبّل الواقع دون أن يتحول إلى حقد أو سخط. هو القدرة على السعي دون أن نربط قيمتنا بما نصل إليه. حين نفهم أن الفشل جزء من التجربة، وأن التعثر لا يلغي الجدارة، نخفف العبء عن أرواحنا، ونمنح أنفسنا فرصة للنهوض بهدوء.

السعادة أيضًا مرتبطة باللحظة. بالقدرة على التواجد الكامل فيما نعيشه الآن، دون اجترار الماضي أو القلق المفرط من المستقبل. كوب قهوة في صباح هادئ، ضحكة عفوية، لحظة امتنان صادقة..

قد تكون هذه التفاصيل الصغيرة أعظم أبواب الفرح.

وفي النهاية، السعادة ليست هدفًا نصل إليه، بل أسلوب حياة نختاره. هي قرار يومي بأن نعيش بوعي، وأن نحمي أرواحنا من الاستنزاف، وأن نبحث عن المعنى قبل المظاهر.

فمن فهم نفسه، وعاش بصدق مع قيمه، وجد السعادة -حتى وسط الفوضى.