أعلنت وزارة الصحة قبل أيام رفع قيمة التأمين الصحي للقطاع الخاص إلى 100 دينار، على أن يبدأ التنفيذ في اليوم التالي مباشرة.

في هذا الموضوع هناك أمران مهمان يستدعيان الوقوف عندهما، قيمة الزيادة وسرعة التنفيذ.

قد يبدو الرقم محدوداً على الورق، لكنه في حياة آلاف المقيمين ليس كذلك، بل هو تفصيل صغير، وعبء جديد يُضاف إلى قائمة طويلة من التزامات لا تتوقف.

المشكلة هنا ليست في مبدأ الرسوم بحد ذاته، ولا في حق الدولة بتنظيم مواردها، بل في آلية القرار وتوقيته وحدّته.

قرار يُنشر اليوم، ويُنفّذ غدًا، لا يترك مجالًا للتخطيط، ولا يمنح الأسرة فرصة لالتقاط أنفاسها، وكأن المطلوب من الناس أن يتكيّفوا فوراً مع واقع جديد مهما كان ثمنه؟!

ما دواعي ولزوم السرعة في تطبيق هذا القرار، أُعلن في الصحف اليوم، ويطبق في اليوم التالي فوراً؟!

أين التدرّج بالقيمة؟! ولماذا مضاعفة الرسوم؟! ثم أين البدائل؟!

لماذا لم يتم وضع أمور يمكن أن تخفّف من وقع هذا القرار المفاجئ؟!

لماذا لم يتم اعتماد نظام شرائح، يعتمد على مستوى الدخل وحجم الأسرة، والفرق بين تأمين الأطفال والكبار؟!

لماذا لم يفتح باب النقاش مع أصحاب الأعمال والجهات المعنية وقبل الإقرار والإعلان المفاجئ؟!

إن الاستماع لملاحظات الشارع والمعنيين بالأمر ليس ضعفاً في الإعداد للقرار، بل هو قوة.. وإعادة النظر ليست تراجعاً، بل هي تصويب.

ليسمح لي أصحاب القرار الحكومي بالقول إن القرارات العادلة لا تُقاس بقانونيتها فقط، بل بأثرها الإنساني.

ما أشير له وأدعو إليه ككاتبة تعبّر عن رأي الآخرين، ليس التراجع عن تنظيم هذا الموضوع، فهذا من حق الدولة، بل الدعوة إلى مراجعة القرار وإعادة التفكير في القيمة والتوقيت، انطلاقاً من روح المسؤولية الاجتماعية، والتوازن ما بين مصلحة الدولة واستقرار أُسر المقيمين على أرض.. عرفت بإنسانيتها ومساعدتها للمحتاجين في أقاصي العالم.

كل الأمور المتعلقة بصحة الإنسان، قبل أن تكون أرقاماً في الجريدة الرسمية، هي حياة يومية لأُسر تحاول أن تعيش بكرامة لا أكثر، خصوصاً أننا نعرف أن التأمين الصحي للمقيم ليس خدمة إضافية، بل حق مرتبط بالحياة اليومية، وهو ليس ترفاً يمكن الاستغناء عنه.

أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء، بدخل شهري يتراوح بين 600 و700 دينار، عندما يُرفع التأمين الصحي بشكل مضاعف، وفجأة ودون تمهيد ودون مراعاة لحجم الأسرة وعدد أفرادها، فهو بالنسبة لها قفزة مفاجئة في المصروفات السنوية، واختلال ميزانيتها التي تم ترتيبها بناءً على التزامات ثابتة، مثل الإيجار والتعليم والمواصلات والأكل والمشرب والأقساط ولزوم الحياة اليومية العادية.

لا شك أن مثل هذه القرارات المفاجئة لها تأثيرات نفسية في المقيمين، الذين لا غنى عنهم في بلدنا، فهم مساهمون معنا في البناء والتطوير، وأول هذه التأثيرات زيادة إحساسهم بأنهم رقم مالي، مع تراجع الشعور بالثقة بالانتماء.

ولا يعتبر رفع التأمين الصحي للمقيم إجراءً محاسبياً فقط، بل هو قرار يمس الاستقرار الأسري، وشرخ إنساني صامت، لفئة تشعر بأنها ضعيفة ولا صوت لها.

ونحن، أصحاب الأقلام، لا نملك إلا أن ننقل معاناتهم، وآلامهم، وأمنياتهم، ورجاءهم، بإعادة النظر في نسبة زيادة الرسوم عليهم، بشكل يحفظ للجانبين، الحكومي حقه في التفكير بزيادة دخل الدولة من هذا المصدر، وللمقيمين قدرتهم على تلبية الاحتياجات الأساسية في حياتهم قدر الإمكان.

يا سادة.. السياسات العادلة لا تُقاس بقوتها، بل بقدرتها على مراعاة ظروف الضعفاء، والمقيم الشريف المخلص، الذي يعيش معنا على هذه الأرض الطيبة، الذي يعمل ويعول أسرة، هو ليس عبئاً علينا، بل هو شريك في دورة الحياة.


إقبال الأحمد