صعود اليمين في فرنسا وفوزه شبه المؤكد في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة ، تعني أن التوجهات السائدة في دول الغرب الرأسمالي تتجه الى اليمين، خصوصا بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية وصعود " الجمهوريين الجدد " وهم من منتجات مؤسسة اليمين المسيحي المتطرف والمتآصر مع الكنيسة الصهيونية، وتساوقاً مع وجود " تيريزا ماي" رئيسة وزراء بريطانيا ذات التوجهات اليمينية، فأن الثالوث الغربي الأبرز( امريكا وبريطانيا وفرنسا) والأقوى أيضا، يكون قد ركب على سكة اليمين، وسيكون دافعا لصعود الأحزاب اليمينية والمتطرفة الى السلطة في بقية دول أوربا، والتخلي عن منهج اليسار أوالوسط .
لاشك أن الأرهاب الإسلاموي كان أحد الأسباب الرئيسة في تحول بورصة الإستثمار السياسي في تلك الدول نحو اليمين المتطرف، الأمر الذي سيجعل هذه الدول في صدام مباشر وحرب مفتوحة ضد التنظيمات الإرهابية الإسلامية والدول الإسلامية المتهمة بدعم وتمويل الإرهاب، وتصاعد هذه الحالة على وفق طروحات " ترامب" ورئيسة وزراء بريطانيا، ستنتهي بحرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، وفي ظروف أكثر قساوة ودمارا ً، وإذ تتوقع بعض القراءات الحرب العسكرية أو الحصار الإقتصادي والسياسي القاهر أو إحداث تغييرات من الداخل عبر وسائل العنف المضاد، فأن الموضوع بأنطباع أولي يقترح تصاعدا خطيرا في المواجهات، وتخندق أوربي أمريكي ضد العدو الإرهابي – الإسلاموي بمختلف تنويعاته الطائفية .
لقد أدركت القوى الرأسمالية وخصوصا ً الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا الغربية، بأنها ارتكبت أخطاء ً استراتيجية حين دعمت الحركات والتنظيمات الإسلامية السلفية والتكفيرية المتشددة، وبعض الدول الممولة لها إبان الحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي، ودعمتها في الوصول الى السلطة أو حمايتها في العديد من دول الشرق الأوسط، كبديل نوعي عن الدول القومية أو ذات التوجهات اليسارية {العراق، سوريا ، ليبيا، اليمن }، لكن الصراعات الطائفية بين الأجنحة الإسلامية وصعود التيارات المتطرف السلفية، وأنتهاج العنف كحتمية طبيعية للمنهج الإسلامي وتصادمه مع الآخر المختلف دينيا وايديولوجيا، أنتج تصادما ً عنيفا ً قاتلا ولايختلف كثيرا عن الإبادة، ولم تكن تفجيرات 11سبتمبر 2000وتفجيرات لندن وبقية الدول الأوربية ، سوى بداية لحرب مفتوحة سوف تتبناها تنظيمات القاعدة وأخواتها ومشتقاتها فيما بعد مثل داعش والنصرة وغيرها .
الحرب المقبلة ستمنح امريكا واوربا الغربية احتلالات يسيرة، لأن الأنظمة الإسلامية وحركاتها لاتجد من يدافع عنها من الشعوب التي ذاقت الأمرين بسبب وجودها على رأس السلطة، ومن هنا سيكون سقوطها أيسر من الأنظمة السابقة بكثير، وبأختفاء التضاد النوعي الذي يشكله الإسلام المتطرف، ستكون الساحة مرشحة لعودة قوى اليسار والمدنية والأطياف المستقلة والباحثة عن السلام والخلاص تحت أي مسمى كان ..!
ترى هل تسمح القوى الإستعمارية اليمينية بعودة قوى اليسار الشيوعية وتنمية التنظيمات الإشتراكية والحركات القومية الى جانب القوى العملية لها من إسلاميين وغيرهم، وتدفع بهم الى السلطة، أم أنها ستعمد لإنتاج أنظمة عسكرية ذات صبغة مواطنية ومدنية علمانية ..؟
الدورة التجريبية للإحتلالات الأمريكية من سايكس- بيكو لغاية عام 2017، وما ترشح عنها من أخطاء استراتيجية وخسائر كونية للأنظمة والشعوب ومجتمعات الكرة الأرضية،أتوقع ان يكون الخيار الثاني هو الأمثل، لأن وجود أنظمة عسكرية علمانية قوية، كفيلة بإعادة بناء الدولة والقانون وإجهاض الآيديولوجيات الدينية والمذهبية وتنظيماتها الحائزة على المال والسلاح والسلطة، في مرحلة انتقالية لتثبيت أنظمة تنمو مجتمعيا ً على غرار البنية السياسية للدول الكبرى، بمعنى أنها ستعيد الأمور الى ماكانت عليها في أربعينات وخمسينات القرن الماضي لكن بأطر وتقنيات جديدة .
التعليقات