رغم أن بعض الباحثين والمتخصصين بتاريخ الإسلام السياسي يعيدون نشوء الأحزاب الإسلامية الى فترة ظهور حركة الإخوان المسلمين في مصر ببدايات القرن الماضي، ولكنني أعتقد بأن كل حركات التمرد والعصيان التي شهدها الإسلام طوال تاريخه كانت بالأساس حركات سياسية تحركها أحزاب تتستر وراء الدين. حتى حركة الخوارج كانت حركة تهدف الى الوصول للسلطة،لقد ثاروا على الإمام علي لأنه رضي بالتحكيم،وإعتبروه تنازلا عن السلطة، فلم تكن هناك خلافات دينية بين معسكرهم ومعسكر علي،كانت صلاتهم وقبلتهم واحدة، ولتحقيق هدفهم حاولوا أن يستغلوا القرآن لخدمة مآربهم حين رفعوا شعار" لا حكم إلا لله". وهكذا يفعل الداعشيون اليوم..فالخوارج شعروا بفقدان سلطتهم وبتهميشهم، ورأوا بأن السلطة ستذهب من يد علي الى معاوية،ولذلك أرادوا أنتكون لهم حصة في مغانم السلطة، لذلك حاربوا عليا ومعاوية في آن معا، وبذلك تجلى هدفهم الحقيقي في السعي لإنتزاع السلطة منهما وليس غيرة على الدين وحكم الله، وقتلوا عليا وفشلوا مع معاوية..حتى الحركة الشيعية التي نشطت بعد إستشهاد الإمام علي كانت بمثابة حركة سياسية،لأن تلك الحركة كانت تتصارع معسلطة الدولتين الأموية والعباسية معا.
على مر التاريخ لم يكن الإسلام عامل توحيد للمسلمين.ويعزو ذلك الى نشوء الأحزاب السياسية بينهم،بدليل أنه رغم أن الإسلام جاء لتوحيد الأمة" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، لكن ذلك لم يمنع نشوء خلافات سياسية وتنازع للسلطة بين هذه الأمة،فظهرت نتيجة تلك الصراعات غير الدينية،مجموعة من الدول المتناحرة فيما بينها مثل، الدولة الأموية في الأندلس ودولة الموحدين والأدارسة والمرابطون في المغرب ودولة الفاطميين والمماليك في مصر والدولة الأيوبية والحمدانية في المشرق وأخيرا الدولة العثمانية في تركيا وغيرها الكثير من الدويلات الصغيرة التي قادتها أحزاب سياسية تحت غطاء الدين.
في عهد الرسول كان هناك فقط حزب واحد وهو "حزب الله" وإنتمى إليه كل من آمن برسالة محمد، ولكن بعد الفتوحات الاسلامية وإتساع رقعة الإسلام وإنقياد الشعوب والأمم الى هذا الدين وتكاثر موارد السلطة وعدم توزيعها بشكل عادل، ظهرت بوادر حركات سياسية مناهضة للسلطة هنا وهناك ومعظمها تحت شعار محاربة فساد السلطة والغيرة على الدين، وكانت تلك الحركات بحاجة الى كسب الأنصار والمؤيدين بإستغلال المشاعر الدينية،وتشكلت بذلكنواة أحزاب سياسية تهدف الى الإستيلاء على السلطة قبل إحياء الدين، فالصراع كان بالأساس صراع إقتصادي وليس ديني، وكان صراعا من أجل الإستئثار بالسلطة والمال ولكنه أخذ طابعا دينيا للتأثير على الفرد والمجتمع. فنحن نعلم بأن إسباغ الطابع الديني على الحركات السياسية والأحزاب التي نشأت كان الهدف الأساسي منه هو تخويف الفرد المسلم بعقاب الله في حال وقف موقفا معاديا من هذه الحركات والأحزاب الدينية. كان الأمر مجرد تلاعبا بمشاعر الناس والعزف على الوتر الأضعف لديهم وهو مخافة الله، لأن من كان يتكلم إنما يتكلم بإسم الله، وأنه يتصرف كنائب عن الله في الأرض على إعتبار أن حزبه هو حزب الله..حتىالمسيحية إستغلت الصليب في معاركها ضد المسلمين وما تلاها من معارك الإحتلال والإستعمار وكذلك بالحملات التبشيرية.
مثلما كان الأوائل يستغلون الدين والإنتساب لقبيلة قريش لتحقيق أهدافهم في الوصول الى السلطة على إعتبار أنهم خلفاء الله على الأرض،سعى التابعون من بعدهم من الحكام أيضا للإدعاء بأحقيةالحكم على هذين الأساسيين،حتى أن ديكتاتورا مثل صدام حسين صنع لنفسه شجرة عائلة تعيد نسبه الى الرسول الأعظم. وفي الجانب الآخر كان هناك دائما حضورا لرجال الدين في دعم وتحريك معظم الثورات التي إندلعت خلال الحقب الماضية حتى التاريخ المعاصر.ففي أول ثورة عربية معاصرة وهي ثورة يوليو بمصر كان عبدالناصر قائد الثورة متحالفا مع الإخوان المسلمين ويحظى بدعمهم حسبما تذكر الوثائق التاريخية، وبالرجوع الى عقود ما قبل تلك الثورة، إندلعت ثورة العشرين في العراق ضد الإنجليز وكانت لرجال الدين الشيعة والسنة اليد الطولى فيها،حتىنحن هنا في كردستان كانت جميع ثوراتنا يقودها المشايخ، ففي كردستان إيران قاد القاضي محمد وهو شخصية دينية ثورة عام 1946، وفي كردستان تركيا قاد ثورتها الشيخ عبيدالله النهري،والثورة الأولى في كردستان العراق قادها الشيخ محمود الحفيد، ثم تلاه الملا مصطفى البارزاني،فالثوار دائما ينجذبون للشخصيات والشعارات الدينية ظنا منهم بأنهم يخدمون دينهم، وبأنهم إذا ساروا وراء رجل دين فسيكون هذا شفيعه إذا قتل في المعركة، وقد لايدري بأن هذا الرجل القائد ربما يتعاطى الخمرويرتكب الفواحش جميعها ما ظهر منها وما بطن!.
التعليقات