لا أعتقد أن هناك حيفاً يلحق بالإنسان أكثر من الحيف الذي يلحقه الإنسان بنفسه. ومما يُفهم أحياناً على أنه حيف تلحقه الظروف بأحد ما، قد يكون في الحقيقة خياراً يختاره هذا الإنسان بنفسه لكي يكون داخل صندوق كراكيب وأعاجيب وأكاذيب لها شَنّة ورنَة وفقاً لما تتطلبه الفواصل والحواصل.
مع الأسف، وبسبب نفوذ هذه الفواصل، لعب إعلام العرب دورَ عرّاب المنظفات والحفاظات وعُلب جبنة المثلثات، فزاد من المعروف تعريفاً، وزاد من المجهول تجهيلاً، واستمرت الميديا العربية في غيّها وسعيها لملء الشاشة بالترهات، واستمر المذيع المصري الأوسع تأثيراً، على وجه التحديد، في مقصلة احتفاله بالمآسي والمصائب، واستمرت زميلته المذيعة في مقصورة الظن بأنها هي النجمة المُحتفى بها، فلا تكون مفيدة لنفسها ولا لبرنامجها ولا للضيف المسكين التائه في بحر الظلمات، مع وجود استثناءات بالطبع أشهرها السيدة صاحبة السعادات.
للاحترام اسم ورسم، وأول قواعد الاحترام هي أن يتواضع المرء فيكبر، ويكبر ضيفه معه، بل ويُضيء من حوله هالة من السعادة والارتياح شبيهة بوصول قطار إلى محطته، أو باخرة إلى مينائها. أما النجوم الذين يسلكون طريقاً باتجاه واحد هو أنفسهم فقط، فأولئك، ولحسن الحظ، هم الذين يتركون المكان شاهقاً للمتعففين، ويرفعون، دون قصد أو سعي
منهم، ستارة ظلهم الأسود الطويل عن كائنات ثانوية أخرى موجودة معهم تحت الشمس. والمكان الثانوي مفروض على أولئك المبدعين الخجولين، ولكن هذا لا يمنع أن تتغير أقدارهم عندما يحين الوقت لذلك.
مؤخراً هناك صحوة إعلامية بدأتها صاحبة السعادة لاستضافة نجوم الصف الثاني والجنود المجهولين من أصحاب القامات والهامات، وبدأ معها تفكيك أوثان مقدسة خنقتنا بكفوفها الكتانية الممزقة، فضقنا بها ذرعاً، وبكل تجهيزاتها ومُعدَّاتها اللوجستية، حتى تساءلنا أين هم أبناء الكوكب الثاني من ذوي الفضل والحياء والخصائص النادرة إزاء نجوم احترقت واصبحت تجارتها بائرة؟
إن الظل الذي يعيش به مبدعون كبار قد يكون في الحقيقة خياراً اختاروه، أو اضطروا إليه، للنأي بأنفسهم عن مقتضيات الحال العامة ذات الفواصل والحواصل، حتى إذا ما أصبح لديهم سكن في الكوكب الثاني، وبعدت الشقة بيننا وبينهم شهقنا وقلنا ما أجمل السماء.. روعتهم ليست في بساطتهم حسب، ولكن في تغاضيهم عن واقع متخبط، وغير سوي، فمالوا إلى الظل عندما مالت الشمس نحو عالم مشحون بالمغالطات. وبالتأكيد فإن المتلقي متشوق جداً لأولئك القابعين في الكوكب الثاني.. المخلصين الأواخر الذين انقلبت الآية لصالحهم، وما كان حيفاً بحقهم سينقلب ذات يوم إلى نصر مبين جراء وقوع المشاهد في كمين المبالغات الإعلامية التي رفعت سقفها الخفيف إلى أعلى حد ممكن، وأصبح وصف العظيم والعبقري والمدهش طحيناً منثوراً على رأس كل من هب ودب على الأرض، فامتلات جيوب الساحر وحواصله بأموال طائلة جراء التمادي في إخراج النيران من فمه لإبهار المشاهد، ثم إجباره، بالشوكة والسكين، على تصديق مبالغات ومغالطات مؤسفة جعلت من راقصة تزوجت سبعَ عشرة مرة بطلة ومناضلة وطنية، ومن فنانة عفوية مزحت مزحة سخيفة خائنة للوطن.
التعليقات