النزعة الصوفية، او التيار الصوفي هي من اجمل ابتكارات العقل المسلم، وإذا كانت الصوفية Mysticism قد أخذت في جانب منها ، عن علي بن ابي طالب ، لانه لَبْس الصوف وتمجد بفقره الى الله، وانه تهجد بشعر صوفي سابق ، فان محي الدين بن عربي والشاعر الكبير ابن الرومي ، وكذلك الشاعر الساحر الشهيد ابو منصور الحلاج ، قد نسجوا على غرار الغزالي والسهروردي فكرهم الصوفي شعريا
لم تك ممارسات الامام علي بن ابي طالب العبادية صوفية، او حتى ذات نزعة صوفية، بل كان على العكس ، يؤثر الوعي الكامل وحضور التركيز التام في العبادات والتجليات، لكن طريقة الامام علي بن ابي طالب في التأوه والتهجد والتوسل والتواضع فهمت على انها جذور أسست للصوفية زاد عليها ذكر الصوفيين لعلي وال بيته في حلقات الذكر
ومن شعر علي:
هي حالان ِ شدَّةٌ ورخــاءُ
وسجالان : نعمةٌ وبــلاءُ
والفتى الحاذقُ الأريبُ إذا ما
خانهُ الدَّهرُ لم يخنْهُ عــزاءُ
جذبت الصوفية المستشرقين وعموم الباحثين الغربيين ، لما لها من تأثير على الوعي الباطن والقدرة على الغوص في معترك البلاغات الجميلة للغة نثرا وشعرا، وأوجدت قدرة للطاقة الداخلية للإنسان، القدرة الشفاهية في صياغة المعاني لتوجيه منظومة الوعي الإنساني برمته، بل ان دوائر غربية ارادت تبني الفكر الصوفي كممثل وحيد للإسلام لتنمية نزعة التسامح والسلام لدى الفرد المسلم ، مع ان الصوفية تسبح في فضاءات كونية خارج الدين والمذهب والجغرافيا
اثرت الصوفية في الفنون الاخرى كالموسيقى والتشكيل والنحت والغناء ، وأخذت معالم الأبنية في الأندلس وإشبيليا وبلد الوليد وبغداد والقاهرة أشكالا منحنية متشابكة لتبرز الترابط الروحي بين الأنوية والجوهر
ظهرت رابعة العدوية متاثرة بالنزعة الصوفية وتأثر الموسيقار السنباطي بالمقامات التي جسدت السكينة واللوعة الباطنية للعاشق
عدت الصوفية في فترات تاريخية بمثابة تطهير من الذنوب ، وهو ما حدا بالخليفة العثماني سليمان القانوني، الى حبس نفسه في صومعة صوفية جنوب قونيا لتطهير نفسه من آلام جلد الذات
تقترب الصوفية من الرهبنة المسيحية والقبالة اليهودية ، في دليل على انها قريبة من الفطرة الانسانية ومنها قول الشاعر العبقري زهير بن ابي سلمى قبل ظهور الاسلام
ولا تكتمن الله ما في نفوسكم
ومهما يكتم، فالله يعلمُ
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
ليوم حساب، او يعجل فينقمُ
- والسؤال الاهم، لماذا حارب بن تيمية وكذلك الحركات المتطرفة الاخرى الصوفية ؟؟
- والجواب ان المنهج الصوفي بطبعه المسالم النقي ، يرتكز على أفكار الجهاد الفردي والتطهر الروحي، على مستوى الفرد أولًا ، قبل الجماعة، ولا يولي نفس الاهتمام بالمجال السياسي، باعتباره مجالًا فاسدًا ويُفسِد كل من فيه، مفضلًا أن يبتعد عنه بالكلية، وهو ما يعتبره أصحاب المصالح السياسية منهجًا جيدًا، ليسير عليه المسلمون المتدينون بشكل عام
وهو نهج يتضارب مع الفكر السلفي الصدامي ، في المواجهة مع المختلف عقائديا ، ومع الغرب ومع الفكر الاخر
والصوفية تنتشر في عموم الوطن العربي والعالم أوسع، وهي لا تعترف بمذهب ويمارسها الجميع من سنة وشيعة، كطريقة للتأمل والاقتراب من الصفاء الروحي للاقتراب من الله، كونه جوهر كل جوهر حسب معتقدات الصوفيين، كالرفاعية والجيلانية والجعفرية وغيرها
انا من اهوى ومن اهوى انا
اننا روحان حلا بدنا
كما يقول الحلاج
الاٍرهاب يستهدف الصوفيين ويعدهم كفره وخارجين على الدين ، والبلاء كله انبثق من الاخوان ، الذين اعتمدوا جذور بن تيمية، ومنه انبثقت التعاليم السلفية التي مهدت لظهور اعتى التركيبات الشاذة والمتطرفة كالوهابية والسلفية والإخوانية والحركات الجهادية
بن تيمية وفِي مجمع فتاويه لا يفرق بين تارك الصلاة وبين القاتل والمتهتك ، فاغلب عقوباته تذهب الى القتل والجلد والتعزير والرجم
بن تيميه الفقيه الكردي اليتيم ، لا دخل لقوميته ونشأته في اتجاهه المركب من القسوة والنزعة لإفناء الذات البشرية ، بن تيميه هو واحد من آلاف الفقهاء الذين يعتمدون القسوة المفرطة وعدم احترام الذات الانسانية، لكن الكارثة التاريخية وقعت حين تبنت دولا هذا النهج الدموي لتحمي حدودها وقتها من هجمات الروم والصليبيين
اخطر ما يمكن تأويله من فكر بن تيميه، هي ما عرفت فيما بعد بالحاكمية الإلهية وتنصيب المتطرف لنفسه، كوكيل مطلق عن السماء
اكثر من ٣٥٠ شهيد مصري برئ قضوا نحبهم في مسجد للطريقة الصوفية الجريرية في العريش في سيناء، لا لشئ الا لانهم صوفيون بسطاء يعوضون عّن فقرهم وعذاباتهم بالشعور الصوفي، ويقتربون من ربهم روحيا عبر خلاص أبدي ... بالشعر والتراجيع
الرحمة لأرواح الأبرياء
—
الشاعر البغدادي
ابو منصور الحلاج
إذا هجرت ... فمن لي
ومن يجمل كلي
ومن لروحي وراحي
يا أكثري وأقلي
أحبك البعض مني
وقد ذهبت بكلي
يا كل كلي
فكن كلك لي
فإن لم تكُ لي
فمن لي
التعليقات