شابّ صغير، متزوج من امرأة تكبره بربع قرن يتربّع عرش "الإليزيه" في فرنسا كأقوى دول أوروبا، فتتصل منافسته الوسطية لتبارك له هذا الفوز قائلة: "الفرنسيون اختاروا ماكرون"، تماماً كانتخابات الرئاسة الأميركية وفوز ترامب على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ومباركتها له بالفوز وإقرارها بالهزيمة!
فما هذه الروح العظيمة والديمقراطية؟! ومتى سنحظى بمثلها؟!
هكذا تقفل صفحة قوية وتفتح أخرى أقوى منها، ويهنأ المهزوم الغالب، ويتمنى له النجاح والازدهار، ويوجّه خطاب الفشل لجمهوره مطالباً بالوقوف مع الغالب وتقدم شؤون البلاد والعباد، ولا أعتقد أنه خطاب الفشل بل خطاب احترام رغبات الشعب وتقديرها، فمتى سيتعلم سكرتارية أحزابنا الكوردية المترهّلة أن ياخذوا الدرس، ويعملوا به، ويتخلّوا عن ذهنية الإقصاء وأبدية التمسّك بالسلطة وكرسيّ القيادة من المهد إلى اللحد، وممارسة الديكتاتورية الحزبية والانتخابية على حزبه وشعبه بالانشقاق وتخريب الحزب وتدمير الشعب أو الاعتلاء بمقاليد الحزب؟ وهو الذي لا يجيد حتى لغته الأم، ويرفض تطبيق مبادئ الحرية والديمقراطية في النظام الداخلي للحزب، والذي جاء من المفاهيم الثورية للثورات الأوروبية.
فوز ماكرون الخارج عن الثنائية المعتادة اليمين الوسطي (الجمهوريون) واليسار الوسطي (الحزب الاشتراكي) التي سيطرت على الرئاسة الفرنسية منذ 1981 هو رسالة لليمينيين واليساريين باختيار الوسطية وتفضيلها على الشعبوية الغوغائية المتطرفة، والتمسّك بالاتحاد الأوروبي أكثر من التعصّب القومي، والانفتاح على دول العالم المتقدّم بدلاً من الانعزالية والتراجعية، فنهاية اليمين المتطرّف والعنصرية تعني على المدى القريب كنهاية ترامب لدور الجمهوريين والديمقراطيين، والذي بدوره أنهاها بسوء سياسته كممثل للصهيونية ولليمين المتطرف الغربي.
ترامب وماكرون كانا خارج دائرة الأحزاب السياسية التقليدية في أميركا وفرنسا، فنتائج انتخابات الرئاسة الفرنسية، بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية، أكدت الرغبة القوية لشعوب الدول الديمقراطية والإنسانية في التغيير الجذري والجدي، ليس حباً بشكليات التغيير، بل التعبير عن سخطها لدور الأحزاب السياسية التي تعاقبت على حكمها، ولم تنجح في توفير ما تريده من استقرار اقتصادي واجتماعي وأمني، خاصة محاربة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية.
حافظ الأسد، حسني مبارك، معمر القذافي، صدام حسين.. وأسماء رؤساء كثر ممَن حكموا شعبهم العربي ذو الأقليات القومية بالديكتاتورية وقوة السلاح، إذ وصلوا إلى سدّة الحكم بطرق غير شرعية والبعيدة عن رغبة الشعب في اختيار مَن يدير شؤونه. فالأسد حكم سوريا لثلاثين عاماً، بعد خوضه لانقلاب عسكري، أي من عام 1970 إلى 2000، ولا زالت نفس العقلية ونفس النظام مسيطراً على مقاليد حكم البلاد، حيث خلفه في الحكم ابنه بشار الأسد من عام 2000 وحتى الوقت الراهن، أما الفرعون المصري حسني مبارك فقد تولّى الحكم لمدة ستة وعشرين عاماً أي من عام 1984 إلى 2010 بعد أن تم اغتيال أنور السادات، أما الزعيم الليبي معمر القذافي فقد سيطر على الحكم إثر انقلاب عسكري على الملك محمد إدريس السنوسي عام 1969 وأطلق على انقلابه بثورة الفاتح من أيلول، حيث حكم ليبيا من عام 1969 إلى 2011، والقائمة طويلة بالنسبة لرؤساء وحكام وملوك العرب، من أمثال أمراء الخليج واليمن والعراق وتونس وغيرهم.
لو قارنّـا فترات حكم رؤساء العرب برؤساء الغرب من السبعينيات وحتى عام 2000، فسنخرج بوجود معادلة مستحيلة الحلّ، لأن الديمقراطية والديكتاتورية لا تلتقيان في مزاج الرؤساء، فالرئيس إما أن ينتهج نظاماً ديمقراطية أو يقرّ قوانيناً صارمة تساعد على تطبيق الديكتاتورية وتطبيعها في عقلية الناس والمجتمع، ومن الغباء أن نجري مقارنة بين رؤساء الدول الأوروبية والدول العربية، لكن نستطيع أن نقارن بين المدّة الزمنية الحاكمة وعدد الرؤساء من كلا الجانبين، فأميركا حكمها سبع رؤساء، وفرنسا خمسة رؤساء، وألمانيا وبريطانيا بستة رؤساء، والصين بسبعة رؤساء، وقائمتهم لا تعد ولا تحصى.
حقيقة لا يحقّ لي بأن أحاسب القيادات الكوردية وأطلبهم للمحاكمة أمام الشعب والتاريخ، لأنهم كانوا يملكون في رصيدهم السياسي انجازات وانتصارات على الصعيد الحزبي والثقافي والاجتماعي والأهم المعاناة والمصاعب التي تلقوها أمنياً. هنا كان ييراودنيسؤال دائم، ومؤكد لي بأن أنصاره سيعارضون رأيي، وقد يطيل ذلك إلى اتهامات شخصية، فقبل أن يصبح حافظ الأسد رئيساً كان عبد الحميد حاج درويش سكرتيراً للحزب الديمقراطي التقدمي الكوردي، ومات الأسد ولا زال حاج درويش سكرتيراً. والسؤال: ألا يوجد مَن يخلّفه في مهام السكرتارية؟ ألا يوجد كفاءات سياسية في الحزب؟ هل هذا التاريخ الطويل لهذا الحزب الشعبي خال من الطاقات الشبابية والتي قد تقدّم الحزب نحو الأمام أكثر منه؟ هل داعموه أو الأجندات الإقليمية تبقيه في هذا المنصب أم العقلية السلطوية أم أنه قرار الحزب ومؤتمره؟".
مختصر الكلام: عبد الحميد حاج درويش كان مثالاً حيّاً على عقلية معظم القيادات الكوردية التي مرّ بها الزمن، والأمثلة كثيرة في أحزابنا الكثيرة، فعقب كل مؤتمر عام لأيّ حزب كوردي سيولد حزب جديد، فلماذا عقلية الانشقاقات إن كان النظام الداخلي للحزب الوليد ومبادئه ورؤيته للقضايا وأهدافه واحدة ومتفقة بالكامل مع حزبه الذي انشق منه؟
إذاً نحن نملك عقلية الوعد والوعيد والتهديد في الحصول على السلطة، ولا نملك عقلية الاعتراف بالفشل وتمنّي التقدّم والنجاح للخصم المنتصر، والنتيجة "ديوكٌ على الشعب ودجاجات بيد الآخرين".
التعليقات