تم في العاصمة السعودية "الرياض" مؤخرا افتتاح مركز مكافحة التطرف "اعتدال"، ويأتي إنشاء هذا المركز ثمرة للتعاون الدولي في مواجهة الفكر المتطرف المؤدي للإرهاب، العدو الأول المشترك للعالم، حيث قامت على تأسيسه عدد من الدول، واختارت "الرياض" مقرا له ليكون مرجعا رئيسيا في مكافحة الفكر المتطرف، من خلال رصده وتحليله والتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال. هذا ما يقوله القائمون على المركز.
ويضم المركز عددا من الخبراء الدوليين البارزين والمتخصصين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف على كافة وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الالكتروني. ويعمل المركز بمختلف اللغات واللهجات الأكثر استخداما لدى المتطرفين، كما يجري تطوير نماذج تحليلية متقدمة لتحديد مواقع منصات الاعلام الرقمي، وتسليط الضوء على البؤر المتطرفة، والمصادر السرية الخاصة بأنشطة الاستقطاب والتجنيد.
التطرف هو الخروج عن القيم والمعايير والعادات التي استقرت في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة ومناقضة لها. والجماعة المتطرفة هي الجماعة التي تعتنق فكرة او معتقد ما، وتقبل به قبولا مطلقا غير قابل للنقاش والمجادلة بالتي أحسن. كما تعمل الجماعة المتطرفة على محاولة فرض قيمها ومفاهيمها بهدف إحداث تغيير شامل لقيم ومفاهيم المجتمع الذي تنتمي اليه، ولو استدعى الأمر استعمال القوة لتحقيق ذلك الهدف.
يقول المفكر الإسلامي "خالص الجلبي" في كتابه (سيكولوجية العنف واستراتيجية العمل السلمي)، "إن العنف يبدأ كفكرة كمونية شيطانية – انا خير منه – وتتطور الى التصرف باللسان والاحتقار وتنتهي باليد والسلاح والتصفية الجسدية للآخر، وذلك لإلغاء وجوده المادي والمعنوي".
إنشاء مثل هذا المركز يعتبر خطوة جيدة في مكافحة ومحاربة الفكر المتطرف، ولكن بجانب ذلك يجب معرفة الأسباب التي تدعو الى اعتناق مثل هذا الفكر ومعالجتها. يتفق المتخصصون في علم الاجتماع والنفس والأديان ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في تشكيل الفكر لدى افراد المنظمات الإرهابية والجماعات المتطرفة. فالجهل والفقر والبطالة، أسباب رئيسية لظاهرة الإرهاب الذي ينعكس على المجتمع ويعيق تطوره وتنميته. فالشباب والشابات عندما لا يجدون اعمالا او مصادر رزق أخرى تؤمن لهم حياة كريمة، يكون من السهل استقطابهم وضمهم للجماعات الإرهابية والتكفيرية.
محاربة الفكر المتطرف دون استبداله بفكر إنساني مستنير يواجه المشكلات المطروحة ويقدم حلولا لها في سياق عقلاني مقبول، سوف يترك الأساس الذي نشأ عنه هذا الفكر المتطرف، ويسمح بإعادة إنتاجه بطريقة اخرى قد تقود الى مزيدا من التطرف. الفكر الانساني البديل الذي ندعو له، لابد أن يقدم تصورا أفضل حول الدولة وطبيعتها وعلاقتها بمواطنيها، وحول الحقوق والحريات الشخصية، وحول الاقتصاد وكيفية معالجة قضايا التنمية، وإعادة توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والمحسوبية.
الفكر البديل يتطلب كذلك وضع استراتيجية تعليمية وإعلامية قادرة على المواجهة. اصلاح التعليم يتطلب تغيير مناهج التعليم الحالية في المجتمعات العربية والإسلامية التي تعتمد على التلقين والحفظ، واستبدالها بمناهج تعليمية جديدة قادرة على إنتاج عقول تفكر وتنتقد، وتبحث عن الأسباب وتحلل العلاقات بين الظواهر وتجترح الحلول.
اما في مجال الاعلام، فالمجتمعات العربية والاسلامية بحاجة الى الأدوات التي تخفف من اسباب الاحتقان التي تعاني منها المجتمعات، ألا وهي وسائل الاعلام التي تسمح بتعدد الآراء، وتتبنى الحوار المتواصل مع مختلف أطراف المجتمع بهدف وقايته من الانزلاق في مطب الاستفراد بالرأي الواحد واقصاء أطراف المجتمع الأخرى. حرية التعبير والتعددية لا بد ان تكون جزءا مكملا من تطورات المجتمعات، وهذا لن يتحقق إلا من خلال وجود الاعلام الحر والمستقل الذي ينقل الرأي والرأي الآخر بسلاسة.
آخر الكلام: اتمنى على القائمين على المركز ان يطلبوا من بعض الحكومات العربية والاسلامية سحب الكتب الدينية الصفراء التي تكفر وتحث على قتل المخالف في المذهب والعقيدة من كل المؤسسات التعليمية في بلدانهم، وكذلك فتاوى التكفير والتفسيق واحراقها جميعا، ومعاقبة من يحاول اعادة طباعتها وترويجها.
- آخر تحديث :
التعليقات