إنها علل منتشرة في العالم الإسلامي بدرجات متباينة. ونكرس الحلقة الأولى من المقال للنواحي الفكرية والاجتماعية التي لها تداعياتها وتأثيراتها على العمل السياسي. الى جانب انتشار الجهل والأمية والفقر،فأننا نصتطدم أولا بتضخيم الذات (أي نحن العرب والمسلمون) وروح التعالي على الآخرين، ولاسيما على الغرب. فأما الماضي فان تضخيمنا له هو بلا حدود، وكأنه كان مشرقاً كله وعلى الدوام، بما في ذلك تمجيد شخصيات سلبية من أمثال خالد بن الوليد الذي يقدسون اسمه، وهو من قتل رجلاً وطبخ رأسه، ثم هجم على زوجته الجميلة وجامعها. وأيضا مثال طارق بن زياد، الذي اخذ ألافا من النساء المسيحيات سبايا ورقيقاً، وحوّل الكنائس الى مساجد. ويبلغ الانتفاخ حدّ الادعاء بأن العرب القدامى سبقوا نيوتن في منجزاته العلمية، وأنهم قبل ألاف من السنين قبل الميلاد صنعوا مركبات تسير آليّا... وهنا ذهب وزير عراقي عبقري الى الإعلان عن ان قدامى أهل مدينة الناصرية كانوا يطيرون الى الفضاء بمراكب خاصة.... وقد نشر بعض الساخرين من هذه النرجسية الادعائية، حكاية ان شكسبير نفسه لم يكن انجليزيا، بل كان من أصل عربي واسمه شيخ شبير.... ان هذه النرجسية تبلغ أقصاها في المجال الديني، حيث انتشار ثقافة ان لا دين غير الإسلام... وهي نرجسية تقع في أصل الحركات والتيارات الدينية المتطرفة والإسلام السياسي بكل تفرعاته .
أننا نلاحظ انتشارا واسعا لتكفير الغرب واتهامه بأنه موطن الرذيلة والفساد الأخلاقي، وفي الوقت نفسه يتراكضون ألافا وملايين الى بلاد الغرب بحثاً عن الحرية وعيش أفضل. فهل أكثر من ذلك ازدواجية ونفاقاً؟؟؟؟؟ وهنا أتذكر مقالاً لأحمد الصراف بعنوان (نريد وطناً كبلد الكفار) في تناول للظاهرة مارة الذكر....
ومرض آخر، وهو مزمن أيضاً، يتمثل في النظرة الدونية للمرأة، وانتشار عقلية ان الرجال قوامين على النساء، وان المرأة ناقصة عقل ودين. وقد استطاعت الحركات النسائية والقوى الديمقراطية مكافحة الكثير من هذه الأفكار وما يبنى عليها من ممارسات، وانتزعت المرأة كثيرا من حقوقها وحريتها. ولكن صعود الإسلام السياسي في العقود الأخيرة، استطاع الإجهاز على أكثر هذه المكتسبات، وعادت القيود الثقيلة تفرض على النساء، وصرنا مثلاً أمام برلمان عراقي، نجد فيه عدداً من النائبات يروجون لكون الرجل
قوام على المرأة، ومنهن من راحت تدعو الى زواج طفلة التاسعة. أما قانون الأحوال الشخصية المدنية فاستبدلوه بعكسه... ومن الأمراض المزمنة أيضا عنف الخطاب وعنف السلوك، ورفض الاعتراف بالخطأ مهما كان بسيطاً. وهذا وأمثاله، انعكاساتها على الحياة السياسية كما سوف نرى في المقال التالي. وإذ نستعرض ما مر، وهناك سواه، فان قوى التغيير والتنوير لم تلق السلاح، بما في ذلك موضوع المرأة وحريتها وحقوقها. وبهذه المناسبة نحيي ذكرى المناضلة السودانية فاطمة إبراهيم، التي رحلت عن الحياة مؤخراً بعد نضال طويل من اجل حرية المرأة وكرامتها ومن اجل حرية شعب السودان وحقه في الديمقراطية والتقدم... كما نحي بطلات يواصلن النضال من أمثال الباكستانية ملالا التي كادت ان تقتل لمجرد دعوتها لتعليم المرأة.. ان المستقبل لن يكون إلا لقوى التنوير والديمقراطية و ذلك مهما طال الطريق وازدادت التضحيات.
التعليقات