في الجزء الماضي - 5 - ( https://elaph.com/Web/Opinion/2018/7/1209908.html) من البحث، تناولنا رؤية (الأحزاب الكردية) لمسالة الأقليات. وقد بينا كيف أن الأحزاب والقوى السياسية الكردية، غير معنية بحل (مشكلة الاقليات) في سوريا، إلا بالقدر الذي يخدم هذا الحل ويحقق التطلعات القومية للأكراد السوريين. في هذا الجزء الجديد(6) نتوقف عند (الرؤية الآشورية) لمسألة (التعددية القومية ) التي يتصف بها المجتمع السوري، وقد حولها الاستبداد العربي، من غنى ثقافي وحضاري الى" نقمة" على البلاد والعباد.&
بعد عقود من (الانكفاء على الذات)، سيطرت خلالها مشاعر الاحباط والياس على الانسان الآشوري بسبب ما جلبته(الحرب العالمية الأولى) من (ويلات ومآسي) للآشوريين والقاء بقضيتهم في درج (النسيان الدولي) بعد أن برزت (القضية الآشورية) كإحدى القضايا الهامة على جدول (عصبة الأمم)، انطلقت (الحركة القومية الآشورية) المعاصرة، بولادة (المنظمة الآثورية الديمقراطية) صيف 1957 في مدينة القامشلي السورية. الأحزاب (السريانية الآشورية)، كما سائر الأحزاب العرقية والقومية الأخرى، لم تقم على اسس ومبادئ وطنية سورية خالصة. بقي خطابها، يتمحور بشكل اساسي حول قضايا وحقوق الآشوريين(سرياناً كلداناً)، من غير أن تتبلور لديها، (مقاربة سياسية) واضحة محددة لقضية الآشوريين السوريين. خطاباً يحاكي الماضي أكثر من المستقبل. أحزاب ضعيفة، من غير برامج سياسية، تتطلع الى (مشاريع قومية) عابرة للحدود. جاء في (المبادئ الأساسية) الواردة في دستور،المنظمة الآثورية الديمقراطية : "هي منظمة قومية سياسية ديمقراطية تهدف إلى الحفاظ على الوجود القومي للشعب الآشوري وتحقيق تطلعاته القومية المشروعة،السياسية، الثقافية، الإدارية، في وطنه التاريخي بلاد ما بين النهرين". هدف، حلم، تتطلع اليه معظم الأحزاب السريانية الآشورية. اصطدام الأحلام والتطلعات السياسية للقوميين الآشوريين بتحديات وصعوبات الواقع، دفع (الأحزاب السريانية الآشورية) السورية، لمراجعة خطابها وشعاراتها، وربط نضالها القومي بنضالها الوطني، والانفتاح على القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد(موالاة و معارضة)، ليصبح خطابها أكثر واقعياً، في تناوله ومقاربته لقضايا وحقوق الآشوريين السوريين، كجزء من القضية الوطنية السورية. صحيح، أن (الأحزاب السريانية الآشورية) لم تقدم (مقاربة وطنية) ناضجة لحل (معضلة الاقليات)، لكنها باتت اليوم أكثر التصاقاً بـ(المسألة الوطنية)، في تناولها ونظرتها لظاهرة التعددية القومية والدينية في البلاد، من الأحزاب القومية للمكونات السورية الأخرى. فرغم الظلم القومي الواقع على الآشوريين والتهميش السياسي لهم من قبل الغالبية العربية الحاكمة، الآشوريون ينظرون لسوريا، التي عنهم أخذت اسمها وهويتها، على أنها أكثر من وطن يعيشون فيه وأهم من دولة يحملون جنسيتها، حتى أنهم باتوا يربطون وجودهم وبقائهم بوجود وبقاء الدولة السورية.
&عموماً، الأحزاب (الآشورية السريانية) تتلاقى في رؤيتها لحل (معضلة الأقليات) في البلاد. هي تُجمع على أن الحل المناسب، لمسألة الأقليات والتعددية، يتمثل بالانتقال بسوريا الى (دولة مواطنة مدنية ديمقراطية علمانية تعددية) يقر دستورها بالآشوريين كشعب سوري أصيل و كقومية لها هويتها وثقافتها الخاصة، كذلك يقر دستورها، ببقية القوميات، ومنح الجميع حقوقاً قومية(سياسية ثقافية) في إطار حقوق المواطنة الكاملة. خلافاً لهذه الرؤية الآشورية العامة لمسالة الاقليات في البلاد، يرى (حزب الاتحاد السرياني) بأن "الفدرالية"،التي طرحها ويسعى اليها (حزب الاتحاد الديمقراطي) الكردي، هي الحل الأنسب لمسألة التعددية القومية في سوريا. انسجاماً مع هذه الرؤية انخرط الحزب في ما يسمى بـ"الادارة الذاتية الديمقراطية" التي اعلنها (حزب الاتحاد الديمقراطي) من طرف واحد 2012 في المناطق الخاضعة لسيطرته. جاء في (البيان الختامي) للمؤتمر العام الأول لحزب الاتحاد السرياني في سوريا عقد في 20/12/2013 " اعتبار مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة هو مشروع حضاري وعصري يلبي طموحات جميع المكونات في المنطقة". انفراد (حزب الاتحاد السرياني)، من بين (الأحزاب السريانية الآشورية)، بهذه الرؤية لقضية الاقليات في سوريا، تعود الى نشأة الحزب في دول الشتات والمنافي، حيث تنتشر الجاليات السريانية الآشورية الكلدانية. بادر الى تأسيسه ناشطون (سريان آشوريين كلدان) اتراك الجنسية، قدموا الى سوريا في تسعينيات القرن الماضي، باسم (حزب حرية بيث نهرين) متأثرين بالأفكار الراديكالية/الثورية لـ(حزب العمال الكردستاني- تركيا)، من جهة أولى. وبالأفكار الأوربية المتعلقة بنجاح "التجربة الفدرالية" في العديد من الدول الأوربية، من جهة أخرى. تعقيباً على طرح "الفدرالية السياسية" لسوريا الجديدة ما بعد الحرب، نقول: نجاح التجربة الفدرالية في دول أوربية أو امريكية لا يعني بالضرورة نجحها في سوريا ودول المشرق، حيث مازالت الانتماءات البدائية، الما قبل الدولة، من (قبلية وطائفية ودينية ومذهبية وعرقية)، هي المحرك الأساسي للحياة (السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية ) في هذه الدول العربية الاسلامية المشرقية. فشل التجربة الفدرالية في الجار العراقي، خير دليل على أن "الفدرالية "، كنظام سياسي، غير مناسبة لدولنا وشعوبنا. في الغرب كانت الفدرالية خياراً لتوحيد أقاليم متفرقة متخاصمة في دولة واحدة، فيما في المشرق "الفدرالية السياسية" هي خطوة متقدمة على طريق تقسيم (الدول الواحدة)، الى أقاليم ودويلات على أسس عرقية وطائفية..

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات..
[email protected]