في زيارة، يمكن وصفها بالمفاجئة والغريبة معاً، وصل رئيس الحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود بارزاني بمرافقة وفد عائلي الى العاصمة بغداد. وقال خلال لقاءه بالمسؤولين العراقيين: "نريداصلاح أخطاء الماضي وعدم تكرارها". تأتي هذه الزيارة بعد طلاق سياسي بين مسعود البرزاني والاحزاب العراقية دام سنوات،وتعمّق بعد اجراء الاستفتاء العام الذي جري في ٢٥ أيلول 2017 منأجل تأسيس "دويلة" كُردية على يد البرزاني. وقد تدخلت أطراف وقوى سياسية عراقية، وكذلك قوى إقليمية ودولية للحيلولة دون اجراء الاستفتاء الذي لم يسبب خسارة الكُرد للكثير من مكاسبهم فحسب، بل سبب تشرذما سياسياَ حتى في المشهد السياسي الكُردي، إنما لم ينصت "الرئيس الديمقراطي" لأصوات العقلاء ورفض كل المساعي والبدائل وجعل من قرار التراجع عن اجراء الاستفتاء شيئاً يمس "الكرامة الشخصية"؛ غابت السياسة. لم يختلف قرار البرزاني الإرادوي فيما يخص الاستفتاء عن قرار الراحل ملا مصطفى البارزاني الأب عام ١٩٧٤ حين سلّم ثورة شعبكردستان لمصير مجهول وتخلى عن قيادته، وذلك بسبب الاستفراد بالقرارات السياسية وعدم الاستماع للقيادة الجماعية. يتكرر المشهد ذاته بعد مرور أكثر من 40 عاماً، وذهب البارزاني الابن، بعيداً فيأطماعه السياسية حيث أعلن أمام العالم أجمع بأنه، "بأنه لا يحسب حسابا لأي كان ويحقق حلم الشعب الكُردي". كان ذلك قبل أيام مناجراء الاستفتاء خريف عام 2017، واستفرد بقرار أوصل مستقبل الشعب الكُردي الى الهاوية. يذهب البرزاني اليوم الى بغداد نيابةعن قاسم سليماني ويقول، "نريد تصحيح الأخطاء"، ويزور جميع القادة العراقيين الذي وصفهم بالطائفيين والفاسدين والمستبدين. يصف إعلام حزبه كركوك بمدينة محتلة، بينما يطلب السجادالأحمر في عاصمة "المحتلين"، يحاول إقناع مقتدى الصدر برفع الضوء الأحمر عن فالح فياض ليتولى وزارة الداخلية بتكليف من قاسم سليماني، وهو لا يزال يصف الذين كانوا ينتقدون استفتاءه الفاشل بمرتزقة الحشد الشعبي و"أكراد المالكي". يتحدث عن وحدة العراقيين، بينما تسكنه رغبة الثأر من الأحزاب الكُردية وشتت وحدة الصف الكُردي، حليفه "اللدود" الإتحاد الوطني الكُردستاني تحديداً. كما بدت الزيارة إلى بغداد كرسالة واضحة لحلفائه الامريكيين بان لديه حليف قوي وهو إيران، ناهيك برغبة الانتقام من رئيس الجمهورية برهم صالح. ليعلن البرزاني بالفم الملآن، ومن العاصمة بغداد، بأن الاستفتاء كان خطأ تاريخي ويتحمل النتائج الكارثية التي تمخضت عنه، لأنه المسؤول الأول والأخير عما جرى،وآلت اليه الأمور؛ دم الأبرياء من الكُرد والشيعة ضمناً!. من غير ذلك تبقى زيارته لبغداد زيارة "بزنس" من أجل ترتيب مصالح عائلته وحزبه، وبسط النفوذ السياسي في إقليم كُردستان الذي يعاني منالصدأ السياسي والفساد والاستبداد العائلي. وحين يقول البرزاني: "نريد اصلاح الأخطاء" عليه قبل كل شيء تحديد تلك الأخطاء ويجيب على الأسئلة التالية: ما هي تلك الأخطاء، ومن أرتكبها ولماذا؟ المسألة، وما فيها، هي أرق يسكنه في مقرّه الواقععلى جبال (سَري رَش)، خاصة بعد تولي برهم صالح مقاليد رئاسةالجمهورية وجولاته المكوكية في المنطقة مما دفع بتسريع عجلةالعلاقات لصالح الاتحاد الوطني الكُردستاني. البرزاني والوفدالعائلي المرافق له يجولون ويصولون بين بغداد والنجف، ليس منأجل العراق، بل من أجل تكريس سلطة العائلة الحاكمة بعدما صُدت بوجهها أبواب أردوغان، انه تحول يمكن وصفه بالمسخ السياسي.

كاتب كردي-السليمانية