ليس من الضروري أن تكون عميلاً"&

لتخدم عدوك، يكفيك أن تكون غبياً"

محمد الغزالي

في السابق&كما هو معلوم&كان&يتم إرسال جواسيس معينين&من خارج الدول&أو من أطرافها،&فيتم توظيفهم&من قبل&دولة ما&ليكونوا بمثابة العيون داخل الدولة التي أُرسلوا إليها،&وهذا الأمر جرى العمل بآليته حتى داخل المؤسسات&التجارية أو الاقتصادية&المنتجة&ضمن حدود&البلد نفسه،&وذلك من خلال&اندساس&عمال أو مهندسين كجواسيس&ضمن العاملين في&مصانع أو معامل معينة&لكي يكشفوا سر نجاحها&لمن قاموابزرعهم فيها،&ولكن بعد أن تطورت التكنولوجيا وغزت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أغلب المجتمعات،&لم تعد الدول بحاجة إلى جواسيس ترسلهممن&آلاف الكيلومترات ليعملوا لصالحها،&ومن تلك&الوسائل التجسسية الحديثة&وسائل التواصل الاجتماعي&على اختلاف منصاتها،&حيث&عملت&وتعمل شركة&"الفيس بوك"&على مراقبة المستخدمين عبر موقعها وتراقب خياراتهم&عبر الشبكة،&وتتّبع&مجمل تحركاتهم على الإنترنت، ولأنها تتحرى خصوصيات المشتركين&في كل دول العالم،&لذا&حاولت&الشركة ولسنوات&عدة&طمأنة المشتركين&أن بياناتهم الشخصية&في أيدي أمينة&ولن تصل إلى أي جهة خارجية.

كما&أنه&إضافة إلى الأدوات التواصلية المعاصرة&ممثلاً بالوسيط&الالكتروني،&فإن&الجهل من جهة، وظهور نماذج قيادية&نرجسية مريضة&في المجتمعات من جهة ثانية،&غدوا&هم البدائل&الحقيقية&الذين&يعملون بكل جدٍ وفاعلية عمل الجواسيس السابقين،&هذا&سواء&أكانوا يقومون بعمل الجاسوس المقيم&عن علمٍ&مسبق وباتفاق مع جهة ما،&أو&أنهم يتورطون في العمالة لصالح الجهات المعادية&عن غباءٍ&خالص، والنتيجة&على كل حال&واحدة،&بما أن أعمالهم لا تكون إلاَّ لصالح الغرماء.

وبما أن الجهل أحد أهم منافذ الاختراق&والاندساس في أي مجتمع &أو ملة أو حزب، لذا تعمل&بعض&النظم للإبقاء على الجهل&والمحافظة عليه،&وقد&تساهم في تفشية،&بما أن العلم يناهض&أهواء ومشاريع النظم الحاكمة،&وطالما كان&الوعي كفيلاً&بإفشال خطط ومآرب السلطات المعوِّلة&في دوام سلطانها&على المحرومين من نور المعرفة،&لذا أكثر ما يزعج&أهل السلطان&هو وجود مناهضين&لها بين صفوف الشعب ممن كانوا&أفهم من&الحّكام،&لذا تحرص&بعض الحكومات&كل الحرص&على&ولادة أو خلق&معارضات&تحتفي بالجهلاء&وتستقطب من كان&فاسداً&وسهل الانقياد والاختراق وقابلاً&للمساومة.

ومن هذه الدول&التي حاربت كل مستنير فيمن يعارض سياستها، دولة الملالي&التي&سعت&جاهدة&لإبعاد أي شخص متنور من&هرم&قيادة الأحزاب السياسية الكردية في إيران،&وبدأت بتصفية السياسي والمثقف الكردي البارز عبدالرحمن قاسملو&زعيم حزب الديمقراطي الكردستاني&الإيراني&بمدينة فينا عاصمة النمسا في 13 تموز 1989 مع اثنين من رفاقه،&ثم قامت&المخابرات&الإيرانية بعدها&بتصفية&خلفه&المناضل صادق شرفكندي في برلين في 17أيلول 1992،&إذ&كان الذي يقض مضاجع دولة الملالي أن&من يتبوأ دفة القيادة&في&ذلك الحزب&هم&من الشخصيات&المثقفة والمتنورة&والتي لديها&خلاص&الشعب&ومصلحته&أهم منأناهم&ومصالحهم الشخصية، لذا كانت&غاية الدولة تصفية&تلك&القيادات، لأن رأس الهرم الواعي من قادة الحزب كانوا مصدر قلقٍ&دائم لدى&النظام الإيراني،&لذا&حاول&النظام&جاهداً&إطفاء نور المعرفة في المناطق الكردية،&ولأن العلم وحده قادر على تحرير الإنسان بيسر&من أنظمة الطغيان، أوصى رئيس جمهورية مهاباد&الشهيد قاضي محمد&بالعلم وشدّد عليه قائلاً:&"أوصيكم بأن تحثوا&أبناءكم على طلب العلم، فإننا لسنا بأقل من الشعوب الأخرى ولا ينقصنا شئ غير العلم،&تعلموا، حتى لا تتأخروا عن ركب الشعوب، فالعلم لدى عدوكم هو سلاحه القاتل في وجهكم، تأكدوا لو&أنكم&اتفقتم واتحدتم وأوليتم العلم&اهتمامكم، فانكم سوف تنتصرون على&أعدائكم نصراً عزيزا".

أما&في&تركيا&فقد&حصل العكس&تماماً،&إذ بالرغم من الإمكانيات&العسكرية الهائلة لدى الدولة، وقدرتها لو أرادت أن تقوم بتصفية قادة حزب العمال الكردستاني كما&فعلت إيران&وتفعل إسرائيل&عادةً&مع بعض&القادة الفلسطينيين،&بناءً على امتلاك&الدولة&لأحدث أجهزة المراقبة والتحري&والطيران التجسسي والقتالي،&إلاّ أنها لم تفعل ذلك!&وحيث يشير&المنشقون عن حزبالعمال الكردستاني&إلى&أن&القيادة العسكرية والأمنية في تركيا&ربما&تشعر&بأن هؤلاء المتزعمون&في هرم التنظيم ليسوا سوى&مجموعة جهلاء،&ومن السهل على الدولة&الاستفادة من جهلهم&لتحقيق&مآربها&من ورائهم&متى ما أرادت&ذلك، طالما كان جهل أصحاب القرار في&الحزب بكل&ما يحصل في العالم&هو&المدخل والعتبة،&إذ&فيما يتعلق بالتطور الهائل في&علوم&التقانة&والتكنولوجيا&وعالم&المعلومات&فإن&الدولة التركية&تمتلك ناصيتها، بينما يفتقر إلى أردئها&الحزب&وقيادة الحزب،&وهو ما&يجعلهم&أهداف سهلة&المنال،&وأدواتطيعة يمكن استخدامهم من قبل الجيش أو الأمن التركي متى ما رغبت الجهات الأخيرة&بذلك، وطبعاً بدون&إدراك&قادة التنظيم،&وذلك&لافتقارهم&أولاً&لأسباب العلم،&وثانياً&لحرمانهم من&نعمة البصيرة،&بالتالي سهولة&تطويعهم&بواسطة&بضعة&جُمل&وأقوال&تمجيدية لهم أو لرمزهم الغافي على إيقاع أمواج إيمرالي.

بل العكس&تماماً هو الذي&حصل في المناطق الكردية&بتركيا، وبدلاً من أن يتم تصفية قادة التنظيم&كما عمل نظام الملالي في إيران،&قامت&السلطات الأمنية&في تركيا&باعتقال عشرات الكوادر الكردية المستنيرة بتهمة الانضمام إلى حزب العمال الكردستاني،&وبالتالي أبعدت كل كردي&واعي،&متنور،&مثقف،&ومتعلم عن الإنشغال بقضيته، حتى تبعد&بالتالي&النخبة عن قيادة المجتمع،&وتفصل بينهم&وبين&عامة أبناء&المجتمع&بشكلٍ شبه تام،&وهي نجحت في ذلك إلى حدٍ&كبير،&طالما بقيت شماعة حزب العمال الكردستاني قائمة&إلى تاريخ اللحظة، مع عدم المساس بكل&قادة&الصف الأول من الحزب ما عدا&اعتقال&رمز التنظيم&عبدالله أوجلان.

وما&يعزز فرضية&رضا الاستخبارات عن قادة&الصف الأول&من حزب العمال الكردستاني&في&قنديل، هو قيام&منظومة&الحزب بالضبط ما كانت&ستقوم به وترغبه وتتمناه الأنظمة في دخيلة&نفسها&عبر ممارسات&الحزب في المجتمع الكردي، إذ أن التنظيم العقائدي المصنوع من بقايا الفكر الشمولي،&حاول جاهداً&إبعاد المثقفين&وأصحاب الفكر والرؤية&عن موقع القرار في الحزب،&بل&وحارب&المفكرين والكتاب والفنانين الحقيقيين،&وأبقى&فقط على مجموعة من الرداحين والمطبلين والممجدين بحياة الحزب والقائد كما هو حال كل الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، بل وعملت&تلك المنظومة العقائدية&جاهدة على زرع قناعة وبث&ثقافة&عامة&بين شرائح المجتمع الكردي،قائمة على&تخوين كل من لا يتوافق معها،&وكل من&لا&ينسجم مع سياستها،&وكل من&لا&يتبنى&خطابها.

وفيما يخص&العميل المرسل&أو&العميل المقيم، فبات واضحاً أن&العميل&في العصر الراهن، هو&ليس&ذلك الذي&يتم توظيفه من قبل&مخابرات الدول&بهدف النيل من الجهة التي زُرع فيها،&إنما من يخدم عدوَّه&صارمقيماً&بين الشعب&وجزء منه،&ولكنه بغبائه يعمل عمل الجواسيس&السابقين،&فالعميل&في الوقت الراهن&هو من نفس أبناء المجتمع وليس مندس بينهم، كما أن ليس الجاسوس&هو&مَن يجلب&الويلات&إلى&الديار، إنما السياسي الجاهل،&والمسؤول&الغبي،&والقائد&الطائش، والمستبد&الأهبل&هو أوّل من&يكون سبباً بقدوم الخراب، لذا&فمن يسمح بأن يقوده جاهل وأفّاك ومستبد، عليه أن يتحمل تبعات&الهزائم المتلاحقة&من وراء&انقياده، كما&أن&عليه سلفاً توقع أي سيء،&والتهيؤ لأي انهيار مفاجئ&في وضعه السياسي والعسكري والأمني وحتى القيمي،&طالما&بقي&يسير&كالمسرنم&على رتم&بضعة كليشيهات،&كما يساق العبد المقيّد&بالسلاسل&خلف&قيادة لا وظيفة لديها إلاَّ&المقامرة&بكل مساقٍ خلفها.