من أستاذ الرياضيات الفيزيائية....تلك الرياضيات التي تحول الظواهر الطبيعية إلى معادلات ومن المعادلات الناتجة نستنبط ظواهر طبيعية أخرى. في الحقيقة أن هذا المفهوم لا ينطبق فقط على الظواهر الطبيعية بل يتعداها إلي كل الظواهر الأخرى: الفلسفية والفكرية والأخلاقية وغيرها...
استمعت بتدقيق وشاهدت بحرص ما تفضلتم به مع الأعلامي / عمر أديب في مناقشة كتاب "هكذا تكلم زرادشت لفريدريك نيتشه". وقبل أن أسرد لكم مضون الرسالة استأذنكم في هذه المقدمة: عندما كنت أدرس للحصول على الدكتواره في الرياضيات الفيزيائية في الاتحاد السوفياتي في العام 1984 دخلت إلى غرفتي زميلتي التي كانت تدرس للحصول على الدكتوراه في الفلسفة الوجودية. وجدت الزميلة على مكتبي ضمن الكتب الموضوعة كتاب العهد الجديد باللغة الإنجليزية فأخذته وألقت به على الأرض قائلة كيف تقرأ كتابا يعلمك الخنوع والضعف والمهانة؟؟ هل تعتقد إنه عندما هاجمنا هتلر الشرير كان يجب علينا أن نسلمه بلادنا بالحب والتسامح!!!
لم أنزعج من تصرفها وأجبتها بهدوء شديد بالطبع لا... بل سوف أحاربه وأقتله مع جيوشه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً ولكنك للأسف تقرأين بروح "الإنسان العتيق" والإنسان العتيق كان يأكل في نفس المكان الذي يعمل فيه حاجته الطبيعية، وكان لا يفرق بين الظلم والعدل ولا بين العدل والأنتقام... أما الإنسان الجديد فهو يعرف تلك الفروق ويفهم النصوص بالطريقة المتحركة التي تجعله الأنسان الأعلى ليس الأعلى بمعنى التعالي على الآخرين ولكن الأعلى في الحكمة والمعرفة والأعلى في الحصول على الحقوق وأتمام الواجبات.. الأعلى على الطبيعة فهو يكشف أسرارها ويفك شفراتها ويصنع الحياة الأفضل للبشرية جمعاء.
والآن دعني أهمس في أذنيك عزيزي الأستاذ يوسف زيدان... أولاً : من المعلوم للباحثين في علم الكلام أن النص (أي نص) عادة ما يكون ثابتاً في ذاته ومتحركا في عقل القاريء. وثبات النص يعني عدد ثابت من الحروف (لا تزيد الحروف ولا تنقص)، وعدد ثابت من الجمل (لا تزيد الجمل ولا تنقص)، وترتيب ثابت للحروف (فلا يتقدم حرف عن حرف أو يتبدل موضعه) وترتيب ثابت للجمل (فلا تأتي جملة قبل الأخرى أو بعدها وإنما تظل ثابتة في فضاء النص لا تتحرك من موضعها مطلقا). أما هذا النص فهو دائم الحركة في العقل البشري لأن من النص تنطلق الأفكار والأفكار كائنات حية لا تموت أبدا....ولكنها تتغير طبقا للوسط البيئي الكامل (ثقافي، اجتماعي، أخلاقي، علمي، تربوي، وإلى آخره) الذي تعيش فيه ويمكن لها أن تختفي فجأة ومن ثم تعاود الظهور بعد فترة أخرى. ومن هذا الفهم يمكننا القول أنه لا يوجد شيء يحمل صفة الثبات المطلق على هذا الكوب لا ماديا ولا فيزيقيا ولا حتى رياضيا. فإذا قلت لي مثلاً أن الرقم واحد هو عدد ثابت قلت لك إن الإجابة خاطئة لأن في حقيقة الأمر أن الرقم واحد هو مجموع عدد لا نهائي من الأرقام أي أن : 1=1/2 +1/4 +1/8 +...... إلى مالانهاية. ولا يوجد كائن على وجه الأرض يمكنه الحصول على عملية الجمع هذه إلى المالانهاية؛ وكل منا يجمع عددا من الحدود على قدر قامته العلمية والثقافية ويقول أن الناتج واحد ولكن الحقيقه أنه لا يساوي الواحد وإنما يقترب من الواحد!!!!
ثانياً: إذا أشرنا مثلاً إلى النص " مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا". فسوف نجد أنه قديما عندما كان وعي الإنسان غير ناضج للفهم بدرجة كافية كان العاقلون يفهمونه على أنه دعوة للتسامح وكان الآخرون يفهمونه على أنه نوع من الضعف والخنوع والخضوع لسلطة القوي (يعني أن النص متحركا في عقول البعض حركة مختلفة عن حركته في عقول الآخرين) . ولكن عندما نضج العقل البشري بعد الافرازات الفكرية العظيمة للفلاسفة الكبار أمثال نيتشة وبن رشد وغيرهم بدأ العقل الجمعي للدول المتحضرة علمياً وثقافيا أن يعرف الأتجاه الصحيحلحركة النص داخل العقل حتى بات يفهم هذا النص ـ مثلاً ـ على النحو التالي.
الأمر يترك لتقدير المعتدى عليه فإذا كان الضارب مثلاً الأب الذي يحب أبنه ويؤدبه، أو المعلم الذي بهذا الضرب (مادي أو معنوي) يوقظ حاسة التفكير العلمي والمنطقي عند التلميذ فالشكر لهم واجب على ذلك وعلينا أن ندير الخد الآخر تعبيرا عن أننا نفهم أن هذا الضرب ليس للسخرية أو المهانه وإنما للنصح والإرشاد وهنا يتأكد المعلم أو الأب على سبيل المثال أنهما قد استخدما وسائل وآليات مناسبة لهذا الأبن أو ذاك التليمذ وهذا لا يعني بالضروة استخدام نفس الوسيلة مع تلاميذ آخرين؛ فالمعلم الشاطر يفهم طبيعة التلميذ وطريقة إيقاظه علميا وفكريا. أما إذا كان الضارب مثلاً رجلاً ظالما شريراً يقصد بفعلته السخرية أو الإنتقاص من الكرامة الإنسانية وسلب الحقوق، وثقافته لا تمنحه الطاقة الذهنية اللازمة لاحترام الآخرين وقبولهم ؛ فعندئٍذ يجب ألا يدار له الخد الآخر بل يضرب بالنعال ويداس بالأقدام ، ويؤدب ماديا ومعنويا حتى يفيق من غفلته ويبدأ في فهم أخطائة ويصلح من ذاته.
هناك أمثلة كثيرة على حركة النص في العقل البشري المختلف من جيل إلى جيل ومن شعب إلى آخر. فعندما تعتدي قوى الظلام الدامس المتمثلة في جماعات الأخوان وأخواتها من دواعش، و بوكو حرام، أو طالبان، أوالنصرةأو أحرار أو فيلق كذا أو كذا... فهنا يجب أن نتكاتف جميعا ونضرب بيد من حديد على هؤلاء لنسحقهم من الوجود.
في الحالة المصرية مثلاً يجب على المثقفين والعقلاء أن يقدموا كل الدعم المادي والمعنوي والفكري والتثقيفي ليتكاتف الشعب المصري مع أبطال الجيش المصري العظيم ليقهروا قوى الظلام في سيناء وغيرها من ربوع مصر الغالية.على ان يكون ذلك بالتوازي مع حرب إبادة الأفكار الخاطئة والنمطية والمورثات غير العقلانية وهذا ما تقومون به مع آخرين وهذا حق للوطن عليكم.
وعندما يعتدي الحرس الثوري الإيراني مدعوما من ولاية الفقيه من خلال أزرعه الخفية والمعلنة في كل المنطقة العربية حتى أمتدت إلى آسيا وأفريقيا فهنا علينا أن نقفمع المملكة العربية السعودية والتي بدأت الدخول إلى عالم الحداثة بوعي يحافظ على الهوية ويتتطهر من الموروثات التي تمنع التقدم والازدهار. وأن نتكاتف مع التحالف الدولي بقيادتها حتى تتم هزيمتهم في اليمن الشقيق وغيرها من البلدان فتتطهر المنطقة العربية كلها من المشوهين فكريا والمعاقين عقليا. فمع مثل هؤلاء الأشرار لا تفاوض، ولا تصالح فالتصالح والتفاوض لا يمكن أن يحققان نجاحا مع قوى الشيطان.. خالص التحيات
التعليقات