تستمر الدولة التركية في عدوانها على شعبنا في عفرين خاصة وشمال سوريا عامة بخطط كثيرة و متنوعة والغاية الاولى منها هو إحتلال المزيد من الاراضي السورية وظهور بمظهر استعلائي واعتبار المحيط الجغرافي والبشري لها كل المنطقة تحت وصايتها و تتريكها.
وهذا يبدو واضحاً في محاولتها الصريحة ومن خلال همجيتها على تفريغ منطقة عفرين من سكانها وإحداث تغييرات ديموغرافية لصالحها على الشاكلة التي فعلتها في لواء اسكندرون. فهي لا تتوانى في قصف مراكز المدينة وترهيب المدنيين واستخدام شتى الأسلحة؛ منها المحرّمة دولياً. فالعدوان التركي يسعى إلى القيام بالإبادة في سعي مكشوف لفرض النفوذ والتحكم بالواقع السوري بالإضافة إلى إخلال التوازن وتغيير في معادلة الحل.
و ما يثير الاستغراب والسخط هو الصمت الاممي و عدمية الجهود الاممية في الحد من آثار الحرب التركية على عفرين و دورها المخزي في هذه الحرب. إن مجلس الأمن ومنظمات الامم المتحدة تلعب دوراً لا يتناسب مع ميثاقهم ودورهم الحيادي الرادع والرافض لأي سياسات تصفية ومجازر ضد شعب يعيش باستقرار وسلام. ففي الوقت الذي لابد أن تقوم به الأمم المتحدة دوراً يحد من الهجوم التركي فإنها تُظهر نفسها طرفاً في الحرب وداعم لمبتغى تركيا ومجازرها حيث تطلب من شعبنا مغادرة منطقته وإفراغها، والأسوأ من ذلك بأنها تقوم بنقد الإدارة الذاتية المدنية في إقليم عفرين على إنها تمنع الشعب بمختلف مكوناته من مغادرة عفرين..!!
هل هم في ذلك عديمي المعرفة بأن المتبقي من المناطق المجاورة لعفرين قد وجدت فيها منطقة آمنة ومن أجل ذلك هم يستقرون فيها منذ سنوات ويقدر عددهم بمئات الآلاف؟
ناهيك في أن المقاومة التي يبديها الشعب في عفرين و قواته هي دفاع مشروع عن أرضهم التاريخية و هم من اهالي الشمال السوري و من عفرين نفسها وتمثل حقيقة الشعب الذي يدافع عن ذاته وعن أرضه، وبالتالي فإن النداءات لترك عفرين أو إتهام الإدارة هناك على إنها تمنع خروج المدنيين أمر خاطئ لأن من يقاوم هناك هو الشعب وبالتالي لو اراد الشعب الخروج لما كان هناك مقاومة أصلاً. أما بالنسبة لدور الإدارة والقيادة في عفرين فإنها دون شك تعمل على بذل كل الجهود في سبيل الحفاظ على أرواح المدنيين كما الحال بالنسبة للمناطق الساخنة والتي يتم فيها تأمين ممرات آمنة وخطط للحفاظ على ارواح المدنيين قدر المستطاع.
وعلى القوى الأممية أن تدرك بأن هناك شهداء وقعوا وهم يؤمِّنون بتوفير فرصة حياة للمدنيين وعزلهم عن القصف الهمجي؛ لكن من يقصف المدنيين هي الدولة التركية وطائراتها، بالمقابل لا تتحدث المؤسسات الأممية عن تقصيرها وتقاعسها في حمايتهم وإبداء واجباتها حيال القصف الذي لا يتوقف والطيران الذي يضرب عمق التواجد المدني والمراكز الخدمية والمستشفيات وخطوط المياه والمدارس. التصريح الأممي هذا يفسح المجال للتمدد التركي والاستمرار في عدوانه لا بل انه يمثل طابعاً ومدخلاً شرعياً لهذا العدوان من خلال عدم المطالبة بإيقاف الأفعال الهمجية التركية ووقف العمليات القتالية بالعكس من ذلك فهم يقومون بتشجيع إفراغ المدينة لتدخلها تركيا وتمارس عملياتها المنافية للأخلاق وتحقق أهدافها التي تمثل خرقاً للقانون الأممي وعدم اعتبار لأية مواقف عالمية. القوى الأممية وأمام ضعفها في الحد من الهجمات ضد الأطفال والشيوخ والنساء؛ فإن هذا الضعف يأتي أن يساند الموقف التركي حتى في الأمر المتعلق بإصدار قرار أممي بوقف العدوان؛ بخاصة إذا ما أدركنا بأن مجلس الأمن فشل حتى مع صدور القرار الذي جاء بشكل متأخر /2401/ الذي يعبر عن العجز الأممي، فهذا القرار لم يستطع تعليق العمليات التركية ضد شعبنا حتى ولو لساعات.
اثبت شعبنا في عفرين بأنه يمثل روح المقاومة وقد استطاع من خلال المقاومة التي باتت تتجاوز الشهر والنصف إنه يتحلى بكل المعايير التي تعبر عن حقيقة الشعب المقاوم الرافض لمحاولات احتلال أرضه والتصدي للقيام بالمجازر ضده. كما إنه لن يقبل بالضغوط والممارسات التي يتعرض لها لترك أرضه ومغادرتها لأنه يعلم إن ذلك يعني قبول واستقبال للاحتلال الذي لن يكتفي بالوقوف عند عفرين بل له مخططات تشمل عموم المناطق السورية. شعب عفرين لن يقبل بأي خيار لا يدعم المقاومة وتساندها لأنه يستوحي من تجربة كوباني والصراع مع داعش بتجارب مريرة لا يمكن التغلب عليها إلا بروح مقاومة ونضال مستمر دون توقف ودون تردد حتى تحقيق نصراً عظيماً يوازي حال المقاومة التي يتحلى بها البطلات والأبطال في الجبهات الأمامية فكيف يمكن أن يترك شعبنا في عفرين ابناءه وبناته وكيف يمكن أن ينسى التضحيات الجسام التي قدمها الشهداء وهم يدافعون عن عفرين حتى آخر لحظة؟
الموقف الأممي حول إفراغ عفرين يتناقض مع جوهر المقاومة ويمثل دعوة استقبال للاحتلال التركي وتجاوز كل الشهداء وحالة الحصار والصعوبات التي عانى منها الشعب خلال سبع سنوات مضت وبشكل خاص من مدة الهجوم التركي في ظل هذا الشتاء وقبلها التهديدات والحصار من قبل الإرهابيين، البقاء في عفرين يمثل خياراً وقراراً للشعب لا يمكن العدول عنه ولو خرج الشعب لخرج من اليوم الأول لكن ماذا عن كل لبنة من بيوت عفرين، وماذا عن كل شجرة من أِجار زيتونها، وماذا عن كل نقطة عرق سقطت في البناء المجتمعي بكل ما هو متعلق بالتاريخ والذكريات والصعوبات والعلاقات التي تأسست لصالح آلة القتل التركية وبقائها؟
القرار الشعبي هناك مستمد من هذه القيم ومن يحاول فرض خيارات المغادرة الصعبة لديه القدرة على إيقاف العمليات الهمجية بشكل سهل على شعب عفرين وأرضها وأشجارها وتاريخها، الواقع في عفرين إن هناك ارتباط عضوي ما بين الشعب وأرضه وتضحيات شعبنا في عفرين تثبت هذه الحقيقة فهو يرفض كل اشكال الاعتداء لأنه هو الذي يمثل اليوم موقع التضحية بالمعنى القيمي؛ أي أن الهجوم وقع عليه وهو ضحية لهجوم وحشي. لذلك من حقه ان يتساءل: لماذا لا يتم تأمين وحماية الحدود من الخطر التركي؟
اثارة هذا الأمر هو تضليل وإلهاء وتحويل للإنظار عن العدوان التركي وعن التقصير الأممي وعجزه في حماية المدنيين، وهذا بحد ذاته يعبر عن مدى انهيار القيم الأخلاقية لدى تلك الجهات وهذا هو ما يشرح جوانب أساسية منه واقع الحال في عفرين؛ في مقاومة العصر في عفرين.
التعليقات