بين عام 2009 و عام 2018، مرت إيران بالکثير من الاحداث و التطورات المختلفة التي تداعت عنها متغيرات سياسية ـ إقتصادية ـ إجتماعية ـ أمنية غير عادية و دفعت هذا البلد نحو مفترق حساس يمکن القول أن أغلب طرقها مسدودة.

عام 2009، شهد إنتفاضة کبيرة بوجه نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية وعلى الرغم من إن سبب الانتفاضة کان من جراء عمليات التزوير التي جرت في الانتخابات الرئاسية حينها، لکنها سرعان ماإتخذت بعدا سياسيا واضحا عندما ردد المحتجون المنتفضون شعارات تنادي بالموت لخامنئي و لنظام ولاية الفقيه و قاموا بإحراق و تمزيق صوره الى جانب ترديد شعارات معارضة للتدخلات في بلدان المنطقة، ولئن تمکنت الاجهزة الامنية لأسباب متباينة أبرزها الموقف غير المسؤول للمجتمع الدولي عموما و الامريکي خصوصا تجاهها، لکن وعلى الرغم من ذلك فإنها"أي هذه الانتفاضة"، أثرت على هيبة و مکانة الولي الفقيه و حطمت حاجز و هالة الرهبة التي کانت تحيط به وأوصلته الى حد طرح أوساط إيرانية لموضوع تغييره، بما يوحي أن المرشد الاعلى للنظام قد إنتهت صلاحيته! 

في اواخر عام 2017 وفي بدايات عام 2018، شهدت إيران إنتفاضة عارمة أخرى إندلعت في مدينة مشهد المقدسة و إنتقلت الى 142 مدينة أخرى، ومع إن السبب الرئيسي لهذه الانتفاضة کان إقتصاديا، لکن سرعان ماإنقلبت هي الاخرى رأسا على عقب و لبست حلة سياسية عندما بدأ المحتجون في سائر أنحاء إيران يهتفون شعار"الموت للديکتاتور"أي للخامنئي، الى جانب شعار "الموت لروحاني" و شعارات أخرى مناوئة للتدخلات في المنطقة و أخرى رافضة للبعد الديني للنظام، وعلى الرغم من إن السلطات الايرانية قد قامت بإعتقال الالاف من المحتجين من سائر أرجاء إيران، وقضى قرابة 16 من المعتقلين نحبهم تحت التعذيب بحسب ماأفادت أوساط حقوقية مع ملاحظة إن السلطات الايرانية زعمت إن البعض منهم قد إنتحروا، وهو زعم رفضته اوساط سياسية إيرانية وأکدت إستحالة قيام أي سجين في إيران بالانتحار، فإن مظاهر الاحتجاجات بقيت سائدة في سائر أرجاء إيران بإعتراف مسؤولين إيرانيين.

إيران بين هاتين الانتفاضتين، عاشت و تعيش أحداثا و تطوراتا إستثنائية بالمعنى الواقعي للکلمة، لأن هاتان الانتفاضتان قد فضحتا النظام و کشفتاه على حقيقة أمره بل و لعبتا دورا بارزا و مؤثرا في نزع الغشاوة التي کانت على أعين الشارعين العربي و الاسلامي حيث بدأت مظاهر الرفض و الشجب و الادانة لأعمال و ممارسات هذا النظام في هذين الشارعين الى جانب إن الحضور العربي و الاسلامي في تجمعات و مؤتمرات المجلس الوطني للمقاومة الايرانية بدأت تزداد بشکل ملفت للنظر.

إيران أو بالاحرى نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد هاتين الانتفاضتين، لم تعد کما کانت قبلهما، ولاسيما بعد الانتفاضة الاخيرة التي إختلفت عن الاولى بکونها رفضت جناحي النظام، أي رفضت النظام برمته، وهو مايمکن وصفه بتطور نوعي و حاسم في رؤية الشعب الايراني للنظام، والذي يجب أن نلاحظه و نأخذه بنظر الاعتبار، هو إن النظام قد إتهم منظمة مجاهدي خلق بالتدخل في الانتفاضة الاولى و حرفها عن مسارها الاصلي، لکنها في الثانية إتهمت علنا و على لسان المرشد الاعلى الايراني المنظمة بأنها کانت وراء الانتفاضة تخطيطا و إشرافا و تنفيذا، وهو دليل عملي آخر على إن نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية قد وصل الى مايمکن وصفه بدخوله منطقة الخطر، ذلك إن منظمة مجاهدي خلق کانت الداينمو الاکبر في إشعال و إنتصار الثورة الايرانية وهي التي کانت تقوم بمهمة التواصل بين المدن المختلفة في إيران و التنسيق فيما بينها، فإن دخولها کطرف أساسي في الانتفاضة الاخيرة يعني إن الامور لن تسير کما سارت مع إنتفاضة عام 2009، بل إنها أخذت و تأخذ منحى آخرا يختلف تمام الاختلاف عنها، خصوصا إذا مالاحظنا رد فعل و إنعکاس الدعوة التي وجهتها الهيئة الاجتماعية لمنظمة مجاهدي خلق في داخل إيران للقيام بنشاطات إحتجاجية ضد النظام بمناسبة يوم الاربعاء الاحمر في مساء الثلاثاء المنصرم، و أسفرت عن تحرکات إحتجاجية واسعة شهدت ترديد شعارات الموت لخامنئي و لروحاني و غيرها من الشعارات المعادية وقد قامت السلطات الايرانية بإعتقال 889 شخصا في 22 مدينة، ولاريب من إن الايام القادمة تخفي الکثير من المفاجئات غير السعيدة للنظام، ذلك إن تأريخ هذه المنظمة يثبت على الدوام نفسها الطويل في نضالها و مقارعتها الدؤوبة ضد النظام وهي من النوع الذي لايکل ولايمل من النضال حتى تحقيق الهدف و الغاية التي تناضل من أجلها.

سيناريو إختيار علي خامنئي لمنصب المرشد الاعلى لنظام ولاية الفقيه، والذي کان عرابه الراحل رفسنجاني(الذي تحوم شبهات حول وفاته المفاجئة، خصوصا بعد أن دعى جهارا الى جعل القيادة جماعية وليس منحصرة في شخص الولي الفقيه)، جرى في عجالة رغم إن خامنئي وفي فيديو مسرب عن الاجتماعات التي أسفرت عن إختياره لهذا المنصب، کان قد أعلن عن عدم جدارته و إستحقاقه لهذا المنصب، وقد أثبتت الايام ذلك بکل وضوح، وإن إستمرار الشعب الايراني في الترکيز على شعار الموت لخامنئي، يعني بأن هذا الرجل قد إنتهى سياسيا لکن الاهم و الاخطر من ذلك بکثير هو إنه لايوجد من يمکنه ملئ هذا المنصب بعد الخميني، ولذلك فإن أي مرشد آخر(حتى وإن کانت القيادة جماعية أيضا)، سيکون طعما سهلا جدا لأي إنتفاضة شعبية ضده، حيث إن الوعي العام(وهو الاهم في الثورات)، سيدرك بأنه أمام"حائط منخفض" يمکن تجاوزه بسهولة!