يتميز الشعب الايراني، بإحترامه الشديد لدور العبادات و الأماکن الدينية و المذهبية لکونه ملتزم من الناحية الدينية، ولکن أن يصل الامر بهذا الشعب الى حد إحراق حوزة علمية في مدينة ترکستان في محافظة قزوين، فإن ذلك يتطلب أکثر من وقفة و ملاحظة لأنها حادثة غير مألوفة في بلد يحکمه نظام ديني متشدد.
لکن قبل أن نستطرد في الحديث عن حادثة إحراق الحوزة العلمية ساردة الذکر، فإننا من المهم جدا أن نشير الى حادثتين أخريين تم خلالهما إستهداف مرقدين دينيين مقدسين، أولهما إستهداف مسجد الامام الرضا في مدينة مشهد يوم 20 يناير 1994، حيث تم قتل 26 زائرا و أصيب المئات الآخرين، ومع إن السلطات الايرانية قد سارعت الى إتهام منظمة مجاهدي خلق بذلك، لکن ثبت فيما بعد بتورط المخابرات الايرانية فيها خصوصا بعد إعترافات لأعضاء منشقين عن الحرس الثوري. أما الحادثة الثانية، فقد کانت تفجير مرقدي الامامين العسکريين في سامراء في عام 2006، والذي تداعت عنها المواجهات الطائفية العنيفة في سائر أرجاء العراق، وقد أکد الجنرال جورج شلتون قائد القوات الامريکية السابق في العراق، بأنه تم إلقاء القبض على عملاء لإيران قاموا بإرتکاب تلك الجريمة وتم تسليمهم لحکومة نوري المالکي ولکن لم تتخذ أية إجراءات بحقهم.
الاستقلال الحرية الجمهورية الايرانية. أحد الشعارات الرئيسية التي يتم إطلاقها أثناء الانتفاضة الحالية في إيران، حيث وکما نعلم بأن أصل هذا الشعار کان(الاستقلال الحرية الجمهورية الاسلامية)، فماذا يعني حذف کلمة"الاسلامية"على وجه التحديد منها؟ بعد قرابة 38 عاما من قيام الجمهورية الاسلامية الايرانية و بعد کل هذه الاعوام من ضخ الافکار و المفاهيم الدينية على مختلف المستويات للشعب الايراني، أليس من الغريب أن يطلق الشعب شعارا يحذف فيه کلمة"الاسلامية"؟ لماذا؟
قبل أيام من إندلاع الانتفاضة، کان هناك تصريحين مميزين لفتا الانظار کثيرا، أولهما؛ إعلان رئيس لجنة"الخميني"للإغاثة الحکومية، برويز فتاح بأن 40 مليون إيراني يعيشون تحت خط الفقر، أي نصف مجموع السکان البالغ عددهم 80 مليونا، أما التصريح الآخر فقد کان لوزير لداخلية الايراني حيث صرح بأنه يجري يوميا 150 حرکة إحتجاجية في إيران، أي حدث خلال عام 2017، 54 ألف حرکة إحتجاجية، وخلال العام 2016، إعترفت السلطات الايرانية بوقوع 7000 آلاف حرکة إحتجاجية، وفرق الاحتجاجات بين السنتين هو 47 ألف حرکة إحتجاجية، وقد سأل کاتب هذه الاسطر السيد محمد محدثين، رئيس لجنة الشٶون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية خلال حوار صحفي مفصل تم نشره في جريدة"السياسة"الکويتية في 25 ديسمبر2017، أي قبل 3 أيام من إندلاع الانتفاضة، عن تلك الحرکات الاحتجاجية، فأجاب:" ماتراه اليوم في إيران ليس طارئا وانما يستمد جذوره من تغييرات اساسية أضعفت النظام وخامنئي صار ضعيفا، وهذه العوامل دفعت وحفزت الناس لکي يتشجعون ويصبحون أکثر جرأة ونحن کمقاومة إيرانية، لنا القدرة التنظيمية وتنظيم الشبکات السرية وإن زيادة وتطوير الشبکات السرية صار ممکنا بالنسبة لنا. الشبکات الداخلية الکثيرة لمجاهدي خلق التي تسعى لإرشاد و توجيه الناس، وقد تمکنا لحسن الحظ بأن ننجح في إفهام الناس بأنه طالما کان هذا النظام موجودا و طالما کان هناك خامنئي و روحاني وطالما کان هناك نظام ولاية الفقيه، فإن هذه المصائب و المازمات ستتضاعف ولن تقل، ولو قمنا بمقارنة هذه التظاهرات بقبل شهور، لوجدنا إنها اليوم صارت سياسية أکثر وان المطالب أخذت سياقا سياسيا بالاضافة لسياقها المعيشي، حيث وصلت الى حد إنها قد إرتبطت بشعار إسقاط النظام"، ولاريب فإن إندلاع الانتفاضة و بروز شعار"الموت للديکتاتور" والمقصود به المرشد الاعلى للجمهورية الذي تم إحراق و تمزيق صوره و التظاهر بالقرب من منزله، لايمکن إعتبار کل ذلك مجرد صدفة، خصوصا وإن مسٶولين إيرانيين إتهموا منظمة مجاهدي خلق في أکثر من تصريح بالوقوف وراء هذه الانتفاضة، ومع إن المنظمة لم تدعي ذلك لکنها لا و لم و لن تنفي قوة علاقتها مع الداخل الايراني و الذي هو أساس خوف و رعب السلطات الايرانية.
شعب صار نصفه يعيش تحت خط الفقر بإعتراف رسمي، وشاع فيه الادمان على المواد المخدرة و بيع الاطفال الرضع و أعضاء الجسد، وهو يرى في نفس الوقت الإثراء الفاحش للقادة و المسٶولين و کيل إتهامات الفساد لبعضهم، هذا الشعب، عندما يراجع الامور في ذاکرته التي تخزن الحقائق ولاتنساها، فإنه يعلم في نهاية المطاف إنه کان وطوال 38 عاما الماضية يعيش في ظل وهم جمهورية ردائها الخارجي البراق الاسلام، و تحت هذا الغطاء واجه الشعب کافة مصائبه و مآسيه وذاق مالم يذقه في عهد الشاه، فکيف يٶمن بهذا الاسلام المسيس و المستخدم لأغراض خاصة؟ بمعنى إن الشعب الايراني لم يهاجم الاسلام الحقيقي وانما واجه الاسلام السلطوي القائم في بلاده و رفضه جملة و تفصيلا ولم يعد يرغب بالاستمرار في البقاء تحت ظله، وهذه هي الرسالة التي يريد الشعب الايراني إيصالها للعالم کله و ليس فقط الى قادة الجمهورية الاسلامية الايرانية
التعليقات