نظرة المؤامرة أداة أيديولوجية، او معرفية لدى بعض الناس،لتفسير الواقع الذي يعيشونه. في حقل آخر لتفسير احداث كبرى لا يعيشونها. الأهم ان هنالك من يناقش المعاش وفقا لهذه النظرية، كانه حقل غيبيات وهو يقوم بفتح مبين في الحقل. هذا منطق غيبي. بالمقابل هل يمكننا ان ننفي وجود مثل هذه البنية التآمرية، في سياسيات الدول؟ هل عالم الدول شفاف واخلاقي، لدرجة يكون هنالك نفي لعمل مثل هذه البنية التآمرية في تحقيق مصالح الدول؟ البنية التآمرية لاتعني بالضرورة أيضا، ان وجودها في أي حدث، أن هذا الحدث محكوم مسبقا، على طريقة القدرية الجبرية، في بعض الفهم الايماني لدى بعض الاديان. في سياسات الدول ومصالحها الموضوع ليس كذلك. لانه لايوجد طرف واحد وفاعل ومسيطر في حدث ما، وعندما يوجد مثل هذا الطرف، نحاول ان نحلل ادواته التي استخدمها للتحكم بهذا الحدث. مادامت الدول تحتاج لاجهزتها الاستخباراتية في تحقيق مصالحها، فإن هذه البنية التآمرية تكون فاعلة. أجهزة الاستخبارات أداة من الأدوات في هذه البنية التآمرية.
غالبا جزء من عمل السفارات بين الدول، هو عمل لصالح هذه البنية التآمرية. وهذه قضية ليست خافية بين الدول،خاصة الدول الكبرى، ففي كل سفارة لها هنالك محطة استخباراتية.
***
سوريا منذ انطلاق الثورة السورية قبل سبع سنوات، لم يبق جهاز استخبارات في دول لاتعد ولا تحصى، الا وتدخل فيها. هل هؤلاء كانوا يتدخلوا وفق منطق الشفافية وانتفاء نظرية المؤامرة؟
لم يشهد العالم اعلاما متناقضا، وتصريحات متناقضة لذات المسؤول احيانا، كما شهدناها في سورية. عندما محطة إعلامية عريقة كالبي بي سي مثلا، تريد تزييف الحقائق في سورية، لدرجة انها اضطرت ذات مرة للاعتذار، لان حجم التزوير والأدلة كان لايقبل أي تأويل. هذه ليست شفافية، وليست نقص خبرة او معطيات بالمقابل. هذه أداة في بنية تآمرية. طبعا والامثلة لا تعد ولا تحصى على هذا الصعيد.
***
ما يهمني في هذا السياق هو الموقف الأمريكي من الثورة السورية في عهد أوباما. أوباما ادخل النخب السورية،والنخب الأخرى المهتمة بالشان السوري، ادخلهم في الحائط. عبر تناقض تصريحاته، وافعاله جعلهم ينقسمون:
- هنالك من كان يرى ان أمريكا ضعيفة ومأزومة جراء أسباب اقتصادية. لهذا لن تتدخل في سورية لحماية المدنيين.
- هنالك من رأى ان النجم الصاعد لبوتين، يمنعها من التدخل لان الدب الروسي قادم وبقوة.
- هنالك من راى ان موقفه مؤامرة على الشعب السوري. بالمقابل النظام نفسه ونخبه كانت تعتبر ان الموقف الأمريكي مؤامرة على سورية، لانه يدعم الثورة!!
- أوباما المتدخل بقوة في الملف السوري، بقفازات حريرية استعمل في تدخله كل أدوات البنية التآمرية. أولها انه كان يفاوض ايران سرا بوساطة السلطان قابوس بن سعيد. انعكاس مسيرة هذا التفاوض على مسيرة أوباما في سورية، ومن موقع القوة الأمريكي. خبرائه من كل حقل كانوا يتابعون كل شاردة وواردة في سورية ويتدخلون بها لتحويل سورية، الى ما نعيشه اليوم. ونجح في ذلك. لسبب انه لم يكن في وارد لا اسقاط الأسد، ولا حماية الشعب السوري من اية جريمة ترتكب بحقه. كان يريد تزمين الثورة وزمنها. كان يريد تحويل سورية الى مكب نفايات عنفي، وهذا ما حصل. وليس ادل على ذلك انه عندما فرغ من هذا الامر أسس للتدخل في سورية عسكريا، وجاء ترامب ليكمل هذه الخطوة، وتدخلت أمريكا واحتلت ثلث مساحة سورية تقريبا، الثلث الغني منها. الحجة داعش..لماذا لم يسمح مثلا للروس ان يقضوا على داعش؟ كونهم موجودين على الأرض. اذا لم يكن أوبامالا مترددا ولا ضعيفا كما اوهم غالبية المهتمين بالشان السوري. هذا ما كنا نقوله للمعارضة، ولهؤلاء السادة من النخب، ان أوباما ليس ضعيفا وليس مترددا وامريكا ليست مأزومة.
سياسة أوباما نقلت سورية من الزمن الاسدي الى الزمن الدولي الاحتلالي للثورة، من اجل هزيمة زمن الحرية الذي كان على الأبواب. او من اجل الغائه الى حين تقرر أمريكا ذلك.
عندما يلقي أوباما بوجه المعارضة مطلب وحدتها. هو يعرف ان هذا هو المستحيل. لانه لايوجد بلد في العالم وخاصة اشكالي مثل سورية، يمكن ان تتوحد فيه تيارات هذه"المعارضة" واشغل المعارضة لمدة سنتين تقريبا بمعارك وهمية، علما ان أوباما لم يكن يريد ان تتوحد المعارضة!.والامثلة كثيرة طبعا لتبيان العمل الدؤوب للبنية التآمرية للسياسة الاوبامية في سورية. مجزرة الكيماوي التي ارتكبها الأسد في الغوطة. والطريقة التي تعاملت معها حكومة أوباما وبريطانيا توضح كم العالم شفاف ولا تآمري!!! كما فضح الرئيس فرانسوا هولاند ذلك منذ عدة أسابيع.
أخيرا العمل الإسرائيلي في هذا المجال من اجل تنفيذ شعار الأسد والاسديين" اما الأسد او تدمير البلد" كان قائما على قدم وساق، من منطلق الشفافية!! والتنسيق مع بوتين.
***
بعد كل هذا نرى اننا امام حالة لدى بعض النخب" انها ترفع في وجهك شعار انها ضد نظرية المؤامرة، من اجل شتم المعارضة والثورة والشعب أحيانا وتبييض صفحة من تبقى من مجرمين في سورية، وعلى راسهم السيد أوباما.
الآن البلد باتت محتلة بعدما تم الاحتلال الدولي للثورة وللحرية في سورية.
أليس التمويل المشروط لانتاج بنية جهادية تتصدر الواجهة في سورية، احد وسائل البنية التآمرية التي كانت تتم وفق معرفة الأمريكي؟ انتقال داعش من العراق لسورية الم يكن بمعرفة أمريكية؟ أسئلة كثيرة.. ان أوباما كما قلت منذ الشهر الثالث للثورة كان يتعامل مع الثورة السورية" كملف امني حصرا، ولا تعنيه اعداد الضحايا" فماذا يعني ان تتعامل دولة مثل أمريكا مع ما يجري في سورية بوصفه ملفا امنيا لا علاقة له بحقوق بشرها؟ انها منتهى الشفافية في السياسة الدولية عموما والأمريكية خصوصا!
- آخر تحديث :
التعليقات