تحدَّث رئيس شركة «ديملر بنز» (مارسيدس بنز)، بكلام يخلع العقل، كما درج القول، معلناً أن بقية شركات صنع السيارات لم تعد هي المنافس لشركته. منافسه، بطبيعة الحال، هي"تيسلا»، والآن «غوغل، و «آبل»، و «أمازون» والآخرون من القادمين الى عالم الإلكترونيات. أهل البرمجيات الإلكترونية هم محرِّك العالم. هذه البرمجيات سوف تعطِّل جميع الصناعات التقليدية في الأمد القريب (من 6 الى 10 سنوات على الأكثر).
«أوبر» ما هو إلاَّ برنامج إلكتروني. لا يملكون حتى سيارة واحدة. ومع ذلك، هم الآن أكبر شركة لسيارات الأجرة (التاكسي) في العالم.
«الخدمات الفندقية الطيارة» (Airbnb ) هي اليوم أكبر شركة فندقية في العالم مع أنها لا تملك أي فندق أو أي عقار آخر.
وعلى صعيد الذكاء الاصطناعي، باتت أجهزة الكومبيوتر، بما لا يقاس، أفضل فهماً لطبيعة العالم. فقد تغلَّب الكومبيوتر في كثير من الألعاب الرياضية والفكرية على الإنسان، قبل عشر سنوات مما كان متوقعاً.
في الولايات المتحدة هذه الأيام لا يستطيع المحامون الشبان أن يجدوا وظيفة أو عملاً، لأن برنامج « آي بي أم واتسون» يقدم لك مشورة قانونية (في القضايا والمسائل البسيطة حالياً) في غضون ثوان معدودات، وبدقة تصل نسبتها الى 90٪ قياساً بالدقة المألوفة على يد الإنسان التي لا تزيد عن 70٪. فإذا كنت مزمعاً على دراسة القانون، فالنصيحة هي أن تتوقف عن ذلك. عدد المحامين في المستقبل سوف ينخفض بنسبة 90٪. لن يبقى في الميدان سوى الاختصاصيون.
إن برنامج «واتسون» الآن يساعد الممرضين على تشخيص الأمراض السرطانية بدقة تصل الى أربعة أضعاف التشخيص البشري. ويملك «فايسبوك» الآن برنامجاً للتعرف على الأشكال والأنماط بإمكانه أن يتعرَّف على الوجوه البشرية أفضل من الإنسان نفسه. وبحلول عام 2030سوف تصبح أجهزة الكومبيوتر أكثر ذكاءً من بني البشر.
السيارات الذاتية الحركة: هذه السنة 2018 سوف تظهر الطلائع الأولى للسيارات الذاتية الحركة التي لا تحتاج الى سائق، وسيبدأ استخدامها من قبل الجمهور. وبعد سنتين، أي بحلول عام 2020 سوف تتعطل صناعات السيارات التقليدية بكاملها. لن تعود بحاجة الى اقتناء سيارتك الخاصة. تستطيع أن تطلب السيارة التي تريد على الهاتف، فتأتيك الى المكان المحدد وتنقلك الى المكان المطلوب. لن تعود بحاجة الى موقف للسيارة، تدفع فقط أجرة النقل للمسافة التي قطعتها، ويكون لديك الوقت لعمل شيء منتج ونافع لاستغنائك عن قيادة سيارتك. إن أطفالنا لن يعودوا بحاجة الى شهادة قيادة السيارات، ولن يقتنوا سيارات خاصة.
هذا التطور سوف يغيِّر طبيعة المدن. ذلك أن عدد السيارات اللازمة لخدمة السكان سوف ينخفض بنسبة 90 الى 95٪، ويمكن عندئذ تحويل مواقف السيارات القديمة الى منتزهات جميلة ووارفة.
يبلغ عدد قتلى حوادث السير في العالم حالياً 1.2 مليون نسمة. حالياً تصل حوادث السير للسيارات الذاتية القيادة الى حادث واحد كل مسافة تصل الى 60 ألف ميل (100 ألف كيلومتر). وهذا المعدل سوف ينخفض مستقبلاً الى حادث واحد كل 6 ملايين ميل (10 مليون كيلومتر)، مما ينقذ حياة مليون شخص في السنة الواحدة.
معظم شركات السيارات الحالية مآلها الى الإفلاس. سوف تحاول شركات السيارات التقليدية أن تواجه أزمتها بحلول تقليدية، أي بصنع سيارات أفضل وأكثر جاذبية، بينما شركات التكنولوجيا الإلكترونية («تيسلا»، «آبل»، «غوغل») سوف تسلك الطرق الثورين ببناء «كومبيوترات على عجلات».
لا عجب أن كثيرين من المهندسين لدى «فولكسفاكن»، و«آودي» أصابهم الهلع من «تيسلا».
شركات تأمين السيارات سوف تعاني من متاعب هائلة لأن وضعاً ليس فيه حوادث سير من شأنه أن يجعل التأمينات رخيصة جداً. وهكذا، سوف يتلاشى تدريجياً ويختفي من الوجود النمط السائد للتأمين على السيارات.
طبيعة الأعمال العقارية سوف تتغير هي الأخرى. فإذا كان بوسعك أن تعمل وأنت تتنقل بالسيارة الذاتية القيادة، فإن ذلك يغريك بالانتقال الى أماكن بعيدة وجميلة وهادئة نائية عن الازدحام والضجيج.
تقديرنا أن السيارة الكهربائية سوف تعم وتنتشر بحلول عام 2020، أي بعد سنتين فقط. سوف يخفُّ الضجيج في المدن، لأن السيارات الجديدة تعمل بالكهرباء من غير ضجيج. والكهرباء ذاتها سوف تصبح رخيصة جداً ونظيفة تماماً. ذلك أن الإنتاج من الطاقة الشمسية آخذ في التصاعد منذ 30 سنة، وبإمكاننا أن نلمس الآن بوادر تأثيراته. ففي السنة الفائتة تجاوز إنتاج الطاقة الشمسية إنتاج الطاقة من المواد الأحفورية على الصعيد العالمي كافة. وتحاول شركات الطاقة مستميتة الحد من ربط المنشآت الشمسية المنزلية بشبكات توزيع الطاقة الكهربائية لمنع المنافسة لها، لكن ذلك لن يدوم وستذهب هذه المساعي المعرقلة عبثاً. فالتقدم التكنولوجي كفيل بذلك.
إن الطاقة الكهربائية الرخيصة تجلب معها ماءً رخيصاً وبوفرة غير معهودة. تحلية مياه البحر حالياً تحتاج الى 2 كيلو واط ساعة من الكهرباء لكل متر مكعب من الماء الصافي (بمعدل ربع سنت للمتر المكعب، أي 400 متر مكعب للدولار الواحد ). اليوم ليست هناك ندرة في المياه في معظم الأماكن، إلاَّ بالنسبة الى مياه الشفة. فتصوروا معنا أي إمكانية هي هذه أن يكون الماء النظيف في متناول جميع الناس بوفرة ما بعدها ندرة وبكلفة زهيدة لا تُذكر، هي تقريباً سلعة مجانية، كما بدأت مع الإنسان الأول.
أما عن الابتكارات الصحية فحدِّث ولا حرج. هذه السنة سوف يجري الإعلان عن إنتاج الجهاز الطبي المسمَّى «ترايكوردر إكس» (Tricorder X) الذي تقوم شركات طبية ببنائه حالياً (بالإسم المستعار من الفيلم الفضائي «ستار تريك») ويمكنك تشغيله من هاتفك الجوَّال، حيث يستطيع أن يجري مسحاً كاملاً لشبكية العين، ويأخذ عيِّنة من دمك، وتستطيع أن تنفث فيه أنفاسك لتحليلها. هذا الجهاز بهذه الطريقة يستطيع أن يحلِّل 54 مؤشراً دفعة واحدة تشمل الأمراض جميعها تقريباً. وسوف يكون رخيصاً، وفي غضون سنوات قليلة سيكون التحليل الطبي على أعلى المستويات العالمية في متناول جميع الناس على سطح الكرة الأرضية... مجاناً. فوداعاً أيتها المؤسسات الطبية.
وماذا عن الطباعة الثلاثية الأبعاد؟
هبط سعر أرخص طابعة ثلاثية الأبعاد من 18 ألف دولار الى 400 دولار فقط في غضون عشر سنوات، أصبحت الطباعة خلالها أسرع بمائة ضعف. جميع الشركات الرئيسية لصنع الأحذية بدأت الطباعة الثلاثية الأبعاد على أحذيتها، لاستنساخها على نطاق واسع. ويجري الآن في بعض المطارات الصغيرة والنائية استنساخ بعض قطع الغيار البسيطة للطائرات بطريقة الطباعة الثلاثية الأبعاد. وقد أقيمت في المحطة الفضائية الدولية الآن طابعة من هذا النوع ألغت الحاجة الى استحضار كميات كبيرة من قطع الغيار كانت سابقاً مضطرة الى نقلها من على سطح الأرض.
وفي نهاية هذه السنة، ومطلع السنة المقبلة 2019، ستكون الهواتف الذكية الجديدة مزودة بإمكانيات مسح هائلة، تستطيع معها أن تجري مسحاً لقدميك وتطبع الحذاء المناسب لك في منزلك. 
في الصين بدأوا الآن يستنسخون بالطريقة الثلاثية الأبعاد فابتنوا بهذه الطريقة مبنى للمكاتب من ستة طوابق. وبحلول عام 2027 سيكون 10٪ من كل شيء يجري إنتاجه مستنسخاً بالطريقة الثلاثية الأبعاد.
ماذا سيكون تأثير ذلك على مجالات الأعمال وفرص العمل؟
إذا كنت تفكر بمجال خاص تدخل فيه، فاسأل نفسك أولاً: هل سيكون ذلك رائجاً في المستقبل؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فكيف يمكنك أن تحققه بأسرع مما هو منتظر؟ فإذا كنت لا تستطيع تشغيله من هاتفك المحمول، فاصرف النظر عن الموضوع، وانسَ الفكرة. ذلك أن جميع الأفكار المصممة للقرن العشرين باتت محكومة بالفشل في القرن الواحد والعشرين.
أما في مجالات العمل، فإن ما يتراوح بين 70 و 80٪ من الوظائف سوف يختفي من الوجود في غضون العشرين سنة القادمة. لكن سيكون هناك الكثير من فرص العمل الجديدة. لكنه من غير الواضح بعد ما إذا كان من الممكن توليد ما يكفي من هذه الفرص الجديدة في وقت قصير كهذا.
في الزراعة سيكون في متناول المزارعين في المستقبل روبوت زراعي قيمته 100 دولار فقط، يستطيع المزارعون في العالم الثالث تشغيله فيصبحون قائمين على إدارة حقولهم بدلاً من العمل اليومي في تلك الحقول. 
فالزراعة الهوائية (الايروبونيك)، وهي الزراعة التي تكون فيها جذور النبات معلَّقة بالهواء وتجري تغذيتها برش تلك الجذور بمحلول غذائي، ستحتاج في المستقبل الى كميات أقل من الماء، أقل بكثير مما تحتاجه الزراعات التقليدية. وقد بات متاحاً الآن الحصول على أطباق من اللحم الاصطناعي (أطباق «بترية» نسبة الى البترول المستخرجة منه)وسوف تكون أرخص كثيراً من اللحم البقري هذا العام 2018. فالمساحات من الأراضي المستخدمة لتربية الأبقار تبلغ الآن 30٪ من مجمل الأراضي الزراعية. تصوروا أننا سنكون بغنى عن تلك المساحات الشاسعة!
سيقوم بعض المبتدئين قريباً بإدخال البروتين من الحشرات الى الأسواق. وهو يحتوي على كميات من البروتين أعلى مما هو موجود في اللحوم، تحت عنوان «المصدر البديل للبروتين» (ذلك أن معظم الناس يرفضون فكرة أكل الحشرات).
هناك تطبيق إلكتروني الآن اسمه «موديز» يمكنه أن يقرأ مزاجك الشخصي في أي لحظة. وبحلول عام 2020 ستكون هناك تطبيقات تكشف ما إذا كنت تكذب بقراءة ملامح وجهك. فتصوروا أنفسكم أمام مناقشة سياسية حيث تبين لكم الشاشة من يقول الحقيقة ومن يكذب في كلامه!حتى أن العملة الإلكترونية المعروفة باسم «بيتكوين»، قد تصبح عملة الاحتياط العالمي لتحل محل الدولار.
طول عمر الإنسان سوف يتزايد. حالياً، يبلغ متوسط الزيادة في عمر الانسان ثلاثة أشهر في كل سنة. كان معدل عمر الانسان قبل أربع سنوات نحو 79 عاماً. أما الآن فقد أصبح ثمانين عاماً. فالزيادة نفسها سوف تتزايد. وبحلول 2036 ستكون الزيادة في طول العمر أكثر من سنة في السنة، وبالتالي فإنه من المقدر لنا أن نعيش حياة أطول، ربما وصلت الى أكثر من 100 سنة.

أما على صعيد التعليم فالتغيرات سوف تكون مذهلة. أرخص الهواتف الذكية تباع الآن في إفريقيا وآسيا بقيمة 10 دولارات فقط. وبحلول عام 2020، سيكون بمقدور 70٪ من البشر الحصول على هواتف ذكية، ما يعني أنه سيكون متاحاً لجميع الناس أن يحصلوا على تعليم بمستوى عالمي. إذ بإمكان كل طفل أن يستخدم «أكاديمية خان» لكل ما يحتاجه الطفل المتعلم في مدرسة من مدارس دول العالم الأول. وقد صدرت الآن برمجيات تعليمية في إندونيسيا، وستتبعها قريباً إصدارات بالعربية، والسواحيلية، والصينية، خلال هذا الصيف. وفي رأيي أن هناك مجالات هائلة متاحة تبرِّر توزيع التطبيقات المشار اليها باللغة الإنكليزية مجاناً لمن يطلبها، بحيث يصبح الأطفال في إفريقيا وسواها يتكلمون الإنكليزية بطلاقة. وهذا يمكن أن يحدث بأقل من نصف سنة فقط! 
——
هذا المقال تنشره " ايلاف" بالاتفاق مع تقرير " الديبلوماسي " الصادر من لندن. عدد يوليو / تموز المقبل.